كارول سماحة «تقزّم» موهبتها تماشياً مع السوق!

كارول سماحة «تقزّم» موهبتها تماشياً مع السوق!

أؤجل الكتابة عن كارول سماحة، بانتظار أن ترسو هي على نوطة موسيقية أو نغمة مقامية، أو إلى حين انتهائها من صولة تظهرها في «فيديو كليب»، علّها ترتاح بعدها قليلاً، لتجول من جديد خلف أضواء الشهرة التي تبحث عنها بصيغتها الجديدة.

كارول هي اليوم شخصية قادمة من المسرح الغنائي إلى عالم (البوب ستار) المنتشر في عالمنا العربي هذه الأيام بأشكال مختلفة، معدومة الضوابط، كثيرة الضوضاء، متداخلة الصور، متشابهة إلى حد كبير في الشكل والمضمون.

ما الذي جذب كارول سماحة إلى هذه الفوضى وجعل منها مطربة تقف على مسرح المأكولات والمشروبات، وهي تملك كل المواصفات الفنية لتكون نجمة مسرحية؟ 

ألا يكفي كارول أن تطلّ مرة في السنة بعروض مسرحية مستمرة إلى جانب فنانين حقيقيين وراقصين وضمن فريق عمل يطول تعداده كما شاهدناها في سقراط، وفي مسرحية  زنوبيا، وغيرهما من الأعمال التي وعدتنا بها هذه الشابة المليئة بالموهبة والسحر المسرحي «المتلبّس» بشخصها نطقاً وحركة دؤوبة على الخشبة؟!

اليوم، نرى كارول بين فلول «مغول» الأغنية العربية، وإن وجدناها مميّزة، فهي تجيد التعامل مع الكلمة الشعرية. تغنّي كمن عانى تلك القصة العاطفية، تبتسم، وتذبل، وتحزن، وتسير باتجاه المجهول، وترمي خاتم خطبتها للخائن. مشهد متكامل، يتكرر عرضه وترى إمكانيات هذه الفنانة المحاصرة في شريعة «الفيديو كليب»، وفي إطار الدقائق القليلة المحدودة...

تبحث كارول سماحة عن التجديد للحاق بالسوق (المضطرب) أصلاً، كما تحاول اللحاق بمن سبقوها إلى الأغنية الخليجية، محاولة التخلص من لكنتها اللبنانية، والتي تبرز عند قفل الكلام المكتوب باللهجة الخليجية أصلاً، فتبدو الصورة مختلفة، وإن بدت التجربة (ناعمة) كما في أغنية «ذبحني».

وهذا ما تكرر في أغنيتها «أقول أنساك» باللهجة المصرية «الملبننة».. المصوّرة بطريقة تبدو فيها كارول مستعرضة لياقتها، من خلال الملابس «الملتصقة» بجسدها وهي طريقة تظهر تحرّرها، وتصالحها مع قوامها منذ ظهورها في الساحة الفنية..

اللافت هو أن سماحة تواكب حركة الفنانين الأقل منها موهبة بأشواط، وإن تميّزت باختيار الموضوعات أو من ناحية التوزيع. ولعلّها تبقى حرة في الصورة أكثر من غيرها لتميّزها بقدرتها التمثيلية ولياقتها العالية.

توحي كارول أنها تسيطر على موهبتها و»تقمعها» وتنزل من مستواها الفني للحاق بحركة السوق، هاربة من تصنيفها بأنها «نخبوية». على اعتبار أن هذا قد يؤثر سلباً على حضورها الدائم في الوسط... وتبدو راغبة في الانتماء إلى الجمهور اليومي المتابع للأعمال الفنية «المسلوقة»، مكتفية بعروض قد تصل أن «تفتتح» برنامجاً لمطرب أكثر نجومية منها، وإن كانت هي أكثر موهبة. تحرص على تقديم بعض الأغاني السريعة، لتضمن «فرقعة» الجمهور الباحث واللاهث خلف الإيقاع والأسماء، متخلياً عن «أذنيه» حتى إشعار آخر.

 

فايز السعيد يسجّل هدفاً في مرمى كاظم الساهر


مترقّبو جديـــد الساهــــر يكتشفونه بتوجّس هذه الأيام، فبعد خروجه من «المحكمة» معافى، محققاً أغنية اجتاحت الإذاعات والمواقع الإلكترونية، أكّد أنه ضمن قلة من المطربين الذين استطاعوا أن يجمعوا أكبر نسبة من «تضارب الأذواق» على تقبّل أعمالهم الموسيقية. فهو حين يغنّي «تراثاً» يجعله «حديثاً» من دون أن يفقد هيبته، ويجعل نغمة (التشوبية) الراقصة مغناة لها بُعد آخر.

القصيدة متجذّرة في ذاكرته، فهو من بلد الجواهري ومظفر النواب، صاحب «الريل وحمد» ديوان الشعر الشعبي العراقي، وبدر شاكر السياب رائد الحرية في الشعر. هو من بلد القبنجي سيّد المقام العراقي، وناظم الغزالي. فكاظم يحمل على كتفه كلّ هذه المكوّنات للفنون والثقافة العراقية ـ وطنُ الحضارات، واللهجات، والأنغام، وإن غاب الفرح عن الصورة الحالية لذلك الوطن الذي اختلف على كل شيء، فما زال فرح الأغاني وحزنها باقيين.

منذ اللحظة الأولى لظهور الساهر، استقبلته الأذن العربية، والعين راقبته، ورصدت نجاحاته حين عبر «الشط» المليء بأحزان القهر العراقي، جاء إلينا محمّلاً بالفرح، فغنّى لبحر بيروت التي احتضنته بعد الكويت والأردن، وانطلق من هناك إلى عروبته في المهجر، ليصل مصر مدجّجاً بالنجاحات، فاستقبلته، وبات اسمه (ثيمة) في الأفلام السينمائية يردّدها الشباب المصري، مستعيناً بكلمات أغنياته لتسريب المشاعر للحبيب أو الحبيبة.

جرأة الساهر بدت واضحة حين دخل عالم «القصيدة القبانية»، فقد استطاع من خلالها جذب مجموعة جديدة من المستمعين الذين لم يجدوا لهم مكاناً في حركة التجديد المعتمدة على التطبيل، لتضليل المتلقّي، ولتشتيت قدرته على التركيز فيما يستمع إليه من أصوات متداخلة بأطر موسيقية مشبوهة.

تأتي قصيدة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم لتجدّد عهد الغناء للحب، وليسرّب فايز السعيد أساليبه اللحنية إلى حنجرة الساهر، بعد أن نسي كاظم أن هناك من «يلحّن» في العالم العربي، كونه الأكثر تلحيناً لذاته.

يكتشف المستمع إلى هذه الأغنية «حبيبتي يوم مرت» أن الموسيقى وحركة التوزيع تبدوان غريبتين قليلاً عن نهج الساهر، الأكثر تلوّناً في أدائه الغنائي، وإن كانت المقدّمة الموسيقية تدلّ إلى أن الأغنية غير تقليدية، لكنها وقعت في نمطية التكرار اللحني في الوسط وفي الختام. بهذا، يكون كاظم جرّب أن يمنح فرصة لغيره من الملحنين الجدد أصحاب الألحان الناجحة، وتأتي التجربة في صالح فايز السعيد ليضيف اسماً كبيراً إلى لائحة المطربين العرب الذين شدت أصواتهم نغمات السعيد.

 

ملحم بركات ومحمد عبده ألم يحن اللقاء المنتظر؟

ما أن تسنح الفرصة للفنان ملحم بركات للتحدث عن الأغنية الخليجية، حتى يوجّه دعوة للفنان محمد عبده، وإن كانت مبطنة أحياناً، بأنه يريد أن يقدّم لحناً لهذا الفنان الذي ما زال يتربّع على عرش الأغنية الخليجية منذ عقود.

فملحم بركات يعتمد أساليب يفهمها زملاؤه الفنانون فهم أهل «كار» ويتقنون أصول اللعبة. فمثلاً يقول ملحم في مقابلاته إنه لم يستمع إلى أغاني عبده كونه لا يتابع المحطات التلفزيونية المختصّة بالموسيقى، وهنا تبدو المحاولة كمن ينتظر من الآخر أن يبدأ بتقديم التنازل.

يقول بركات: «التقينا في قطر ووجّهت لمحمد عبده دعوة لزيارتي في لبنان لكنه لم يأتِ بعد». وهذه إشارة أخرى.

نحن كجمهور محبّ لهذين الفنانين، اللذين هما من عمالقة الفن الحديث، ودورهما في دعم الأغنية الخليجية من جهة محمد عبده، واللبنانية من جهة ملحم بركات، يخوّلهما تقديم عمل قد يكون مميّزاً. وتجربة ملحم ما زالت ماثلة حين لحّن في الآونة الأخيرة لماجدة الرومي «اعتزلت الغرام». فقد كانت بمثابة قنبلة فنية، حيث أنها أغنية تملك كل مواصفات النجاح. 

وإن عدنا إلى مطربي الخليج الذين أبدعوا في غناء اللهجة اللبنانية من شادي الخليج ونبيل شعيل وعبد المجيد عبد الله وغيرهم، وكان لهم حضور جميل من خلال أدائهم العالي والمميّز، أفلا يستحقّ الجمهور اللبناني الذي أحبّ محمد عبده ابتداء من أغنية «ليلة ليلة» والأغنية الخليجة بشكل عام، أن يقدّم لهم هذا النجم العربي أغنية بلهجتهم؟