التهميش الوظيفي

د. دعاء ميرة
د. دعاء ميرة
د. دعاء ميرة

واحدة من الظواهر الإدارية التي تعصف بالمؤسسات العامة والخاصة على حد سواء، وتتسبب في هدر الكفاءات وتعطيل الإنتاج هي ظاهرة التهميش الوظيفي، وهي تنطوي على مخالفات إدارية خطيرة ومالية، تشمل: إساءة استخدام السلطة، والتسبب في إهدار المال العام والمواهب، عبر ممارسة ضغوط نفسية وإدارية؛ ما يضر بمنظومة العطاء والإنتاجية.

التهميش الوظيفي جملة من الإجراءات والخطوات المنظمة التي على أساسها توضع الموانع أمام الأفراد والجماعات حتى لا يحصلوا على الحقوق، والفرص، والموارد، وخدمات السكن، والصحة، والتوظيف، والتعليم، والمشاركة السياسية، وغيرها من الحقوق المتاحة للمجموعات الأخرى.

ينقسم التهميش الوظيفي إلى نوعين: الأول لنقص الكفاءة، والثاني لكفاءته الكبيرة، فالأول يأتي لاحتساء الشاي والقهوة بلا إنتاجية، والآخر تم تهميشه نظراً إلى كفاءته العالية التي تفوق كفاءة المدير الإداري الأعلى، خشية من صعوده الوظيفي، فيبدأ بالتعسف ضده وتجميده.

تتنوع صور التهميش الوظيفي، فالتهميش الوظيفي الاستراتيجي يهدف إلى التخلص من الموظف بأقل تكلفة وأقرب وقت كتوظيف غير الأكفاء، ودعم وترقية الذين لا يستحقون، وعدم تقدير العمل الجيد والاحتفاء به.

أما التهميش الوظيفي المؤسسي فهو أكثر إيذاء؛ لأنه يدخل في مفهوم الانتقام على تصرف قام به الموظف بدافع عقابه على تمرده أو إبدائه لردود أفعال معينة، ومن أشكاله: تكليف الموظف بأعمال شاقة، وتصيد أخطائه، وتخفيض راتبه، أو حجب المزايا عنه، وتحويل الموظف إلى مكان عمل بعيد عن منطقته وولايته، وغياب التواصل، وفرض الرقابة عليه، وتحديد حريته.

وأما التهميش الوظيفي التمييزي فيتضمن التمييز في المعاملة بين الموظفين انطلاقاً من اعتبارات لا تتعلق بالكفاءة، وإنما بالحالة الاجتماعية أو العائلية.

يعود السبب في تلك الظاهرة إلى جهل بعض المديرين بالقانون وحدود صلاحياتهم، وهو ما يخلق مشاكل كثيرة بينهم وبين الموظفين تؤدي في النهاية إلى التعسف والتنكيل بهم.

أكثر الأشخاص عرضة للتهميش الوظيفي هم الموظفون من ذوي الاحتياجات الخاصة، والموظفون الجدد، وممثلو العمال، والمتدربون، والموظفون الذين يعانون أوضاعاً اجتماعية سيئة، والموظفات الحوامل، والموظفات اللواتي لهن ارتباطات عائلية، والموظفون ذوو الكفاءات العالية التي تفوق كفاءة رؤسائهم.

أثبتت الدراسات العلمية تأثير العمل في الصحة النفسية للموظفين، والتسبب بالاضطرابات النفسية التي تؤدي إلى الاحتراق الوظيفي على المدى البعيد، وهي سبب رئيسي للاستقالة؛ حيث يرتبط أكثر من 54% من مشكلات العمل بالأمراض النفسية، أو الغياب المتكرر والإحباط؛ ما يؤثر في الإنتاجية والأرباح.

السؤال الأهم هنا: كيف يمكن للمؤسسات والقادة التعامل مع ظاهرة التهميش الوظيفي؟

لقد أضحى وجود مرشد نفسي ومهني داخل المنشآت ضرورة قصوى، وأن يكون مسلحاً بصلاحيات تؤهله لدراسة أوضاع الموظفين وظروفهم، وتقييم جودة بيئة العمل، والتأكد من خلوها من ممارسات التهميش، والتأكيد على حقوق الموظف، وسلامة القرارات المطبقة عليه.

ضرورة سن النصوص القانونية التي تحمي الموظف من التهميش الوظيفي؛ لأن وجود النصوص القانونية تجعل الموظف قادراً على استعمال حقه في رفع الدعوى والمطالبة بالتعويض، مع ضرورة منحه حرية إثبات التهميش بكل الطرق طالما أنه عنف غير مرئي.

لذا، يحسُن بالقادة التنبه لسلوكيات التهميش الوظيفي بكل صوره وأشكاله، والتعامل مع حوادث التهميش فور حصولها، إما بالحديث مع المتنمر مباشرة، وإما لفت نظر رئيسه المباشر لملاحظة السلوك ووضع خطة علاج، ودعم الموظفين المهمشين، وإظهار التعاطف معهم.

ونصيحتي لكل موظف يتعرض للتهميش الوظيفي بالتظلم أمام القضاء الإداري لرفع الظلم عنه، وذلك بتقديم طلب تظلم رسمي للرئيس الأعلى، وتشكيل التحالفات المناسبة التي تساعده على حل المشكلات، وتعزيز العلاقات المهنية القائمة على الدعم والحوار المفتوح.

والسؤال هنا: إلى متى سيتم تعطيل هذه الخبرات ولا يستفاد منها قبل وصول سن التقاعد؟ ألا يعدّ هذا هدراً للطاقات والأموال التي لو وضعت في مكانها لأثمرت في إنجازات كبيرة؟