لماذا أكتب ؟

د. ابتسام الوسلاتي
د. ابتسام الوسلاتي
د. ابتسام الوسلاتي

الكتابة هذه الرسالة النبيلة والمهنة الشاقة التي كرست لها حياتي لأنّني أحبها، وأحبها لأنّ الحياة تستوقفني وتدهشني وتربكني، فاخترتها أداة نضال وفعل مقاومة للموت والنسيان تروم زعزعة البنى المتحجرة. ولن أدعي البطولة فأقول إنني أطمح إلى تغيير العالم، بل إنّ الكتابة عبّرت عن قلق داخلي ومنحتني القدرة على تحرير طاقة حيّة سجينة في داخلي بفعل منظومة كرست رؤية نمطيّة للمرأة المبدعة، فتحول فعل الكتابة إلى سبيل للتحرر من القيود التي يفرضها المجتمع وصرخة احتجاج ضدّ التهميش والإقصاء في ظلّ ثقافة ذكورية تحاول جاهدة طمس الإضافات التي يمكن أن تحققها المرأة في مختلف المجالات لا سيما المجال الأدبي.

 

 

وفي سياق هذا الوعي بالكتابة ضدّ الهيمنة والرغبة في أن تقول ما يعنيه أن تكون امرأة، أكدت فرجينيا وولف أنّ العالم لم يقل لها... اكتبي لو أردت؛ إنّ ذلك أمراً لا يعنيني. وإنّما قال العالم وهو يقهقه: تكتبين؟ وما الفائدة وراء كتابتك؟

فوحدها الكتابة تسمح لنا بأن نتكلم حتى ونحن نتوارى تحت التراب، لتؤكد لنا بأن الجسد مجرد غبار. وأنّ الموت الحقيقي لا يحدث إلاّ بعد فقدان كلّ أثر لنا في هذه الحياة. فالكتابة بضجيجها تعلن عن انبثاق ذوات تعبر عن الحلم والصدق والتحرر من كلّ القيود، وهذا هو المعنى الحقيقي لأن تكون المرأة امرأة في بلاد أن يكون المرء فيها أنثى عليه أن يدفع الثمن غالياً، على حد عبارة الروائي واسيني الأعرج. فالكتابة لا تقتصر على كونها مجرد خطاب يلتزم بالنضال ضدّ التمييز ويسعى إلى تحقيق المساواة، وإنما هي أيضا فكر يعمد إلى تأكيد حق المرأة في الاختلاف، وإبراز صوتها وخصوصياته.

لماذا أكتب؟ أظنّ أنني أكتب من أجل صناعة المستحيل بشكلٍ ما، فأمشي في حقل ألغام، أكتب حتى أصنع قصتي أكتب انتصاراً للمهمشين الذين سقطوا سهواً أو عمداً من الذاكرة، فتكون الكتابة فعل رفض ومقاومة وثورة على السائد والنمطي والجاهز..

أكتب لأنّ هناك مناطق قصية في ذاكرتي الخصبة أريد الغوص فيها، لأنّ اللغة تحررني وتعطيني جناحين لأطير، بل هي الطيران بعيداً عن البشاعة واليأس والتشاؤم.

أنا لم أعد كما كنت، وما جدوى الكتابة إن لم تكن صوتاً صريحاً يعبّر عن أحلامي وانتصاراً للحياة، يكفي أنّها تهبني القدرة على رفض أن تكون الصور النمطية والبشاعة جزءاً من حياتي، يكفي أنني قاومت بكل ما أملك من طاقة على الأمل بأن على هذه الأرض ما يستحق الكتابة.