من كنزان إلى طويق

زينب آل سلاط
زينب آل سلاط
زينب آل سلاط

كثيرة هي تلك الجبال التي تحيط بنا، والتي تأسرنا بجمالها وهيبتها. ومنها ما ارتكزت جذورها في قاع الأرض. وكأنها ولدت قبل التاريخ. وبعضها راحت تعانق قممها أحضان السماء. وما بين التأمل والتدبر قد تتساءل: أحقاً تلك الجبال سوف تكون كالعهن المنفوش؟... وجبل كنزان حتماً سوف يتحول إلى عهن منفوش، إلا أنه يبقى شاهداً على ملحمة تاريخية.

يقع ذلك الجبل في المنطقة الشرقية، وتحديداً بالأحساء، وبمجرد الاقتراب ووضع يدك على إحدى صخوره المتناثرة، سوف تعج مسامعك من جلبة صهيل الخيول الهائجة، التي تلحقها صليل سيوف بارقة وأزير رصاصات حارقة. وبمجرد أن يكتمل المشهد سوف تشاهد عيناك بطلاً يطوف بين الصفوف يُعبِّئ ويشحن رجاله بعباراتٍ تجعلهم ما بين خيارين اثنين لا ثالث لهما. إما النصر أو الشهادة. إنه عبد العزيز البطل الذي قال: لقد اعتدى هؤلاء القوم على أملاك آل الصباح، وسرقوا الفقراء ونحن هنا لأنهم استنجدوا بنا، فويلٌ لنا إن لم ننصر المظلوم، ثم راح عبد العزيز يفاوضهم ما بين إعادة حقوق الناس أو القتال، إلا أن أولئك القوم أخذهم الكبرياء، وفضلوا مجابهة عبد العزيز. وفي نهاية المطاف، وجدوا أنفسهم ما بين قتيل أو أسير أو هارب، أما الحقوق فقد عادت إلى أهلها.

لقد خُيِّل لي وأنا أقرأ تلك القصة أن عبد العزيز وقف يناظر الجبل بكبرياء، وحال لسانه يقول: أيها الجبل سوف تبقى شاهداً على ما حصل، والأمانة هي "أن تصور الملحمة للأجيال القادمة، فالأكباد لتنفطر، وإن الجوانح لتتمزق حينما نسمع أو نرى إخوة لنا في الدين، وفي الوطن وفي الدم، تنتهك حرماتهم، يُشَرَّدون ويُنكل بهم يومياً لا لشيء ارتكبوه، ولا لاعتداء اعتدوه، وإنما لحب السيطرة والعدوان ولارتكاب الظلم".

ومن يعتقد أن الحكاية انتهت فهو مخطئ لا محال. فالتاريخ يعيد نفسه، فسلالة الأبطال تبقى ممتدة وحاضرة. فهناك جبل آخر استفاق بعد عصور، إنه جبل طويق، ففي قمة ذلك الجبل قد امتطى فارس خيلاً عربياً أصيلاً. وراح يحدق في السماء، وكلما تنهد عن عزم وإرادة راح ذلك الجبل يسابقه في التنهد، ولسان حاله يقول: إذا كنت أنا الجبل وبك شعرت بالأمان، فكيف هو حال شعبك. ثم يبدأ الحوار بين كنزان وطويق؛ حيث يقول الأول: لقد جرح عبد العزيز جرحاً عميقاً، إلا أنه لم يتراجع، فقد أصر على تحقيق النصر. فيرد عليه طويق قائلاً: والعزم سمة في سمو الأمير محمد بن سلمان، ثم يتنهد كنزان ويقول: هل تعلم أن عبد العزيز قال يوماً "إنّنا نعيش في مرحلة تفرض الكثير من التحديات؛ ما يتطلب نظرة موضوعية شاملة مبنية على الدراسة والأسس العلمية الصحيحة. ويقول طريق معززاً: سمو الأمير محمد بن سلمان خير خلف لخير سلف، فهو فقد قال أيضاً: "لن ننظر إلى ما قد فقدناه أو نفقده بالأمس أو اليوم، بل علينا أن نتوجه دوماً إلى الأمام".

سوف يفخر المتتبع لتاريخ هذا الوطن التليد بما يحمله من مواقف فخر وإباء. فالإنجازات تقع ما بين المضمون والقائد. واليوم، يقف قائدنا رافعاً علمنا الأخضر بيمناه، وواضعاً الرؤية في قلبه. وكلما نبض قلبه نبض معه كنزان وطويق والشعب. ونحن في ذكرى التأسيس، نقسم بأن تكون قلوبنا كما كنزان يوم ساند عبد العزيز، وكما طويق يوم شبه به الأمير محمد سلمان طموحنا وعزمنا فيه.