نسرين بلوط وحنين للوطن والحبيب في «أرجوان الشاطئ»

31 صور

«تأخرت كتاباتي ردحاً من العمر، أسلاك شائكة من الصبر، نثرت فيها أشلائي، ولململتها على كتفي المغيب، اعتدت أن أحتضن الجروح والغدر والقهر، فكنت أنا ملكة الغروب بلا منازع، شاعرة أنا، يفرحها الورد، وتبكيها السكينة، ويسكنها الأرق، ويؤرقها أن ترى آلام الغير، فتكتب عنها متلبسة أوصالها».

إنَّها الأديبة اللبنانيَّة نسرين بلوط التي التقت بها «سيِّدتي»، والتي أصدرت ثلاثة دواوين، وتستعد لصدور روايتين دفعة واحدة، ولها آراؤها الجريئة أحياناً، كما لها من الخجل ما يمنعها من البوح بعيداً عن كلمات دواوينها...

عن نفسها قالت: أنا مثل زهرة البنفسج زرعت في دوح من الذكريات؛ لتنصهر بالوطن بكلِّ تفاصيله وملامحه؛ لتصبح وجهاً من وجوهه، وقلباً يدق في ناقوسه، لم أكن أبداً طفلة عادية عندما كنت صغيرة، ولم أصبح امرأة عادية بعد أن كبرت، ففي طفولتي سبرت المدى، ورمقت الصدى، ونهلت من الكتب ولم أرتو، واستعضت بها عن الدمى، فكنت طفلة استثنائيَّة في العاشرة من عمرها، تقرأ لجبران خليل جبران، ونجيب محفوظ، وطه حسين، وصلاح عبد الصبور، والسياب وغيرهم، وعندما كبرت احتضنت الجروح التي لوَّنت غسقي بلازورديَّة الآهات، ورسبت في قلبي حتى توجتني ملكة عليها، وفي هذا كتبت يوماً:

وعن سر دراستها لإدارة الأعمال تسر لنا: إدارة الأعمال درستها؛ لأختصر المشوار، بعد أن مررت بظروف صعبة أجبرتني على ترك دراستي في أوَّل الأمر، وعندما عدت إليها كنت قد بلغت الرابعة والعشرين من عمري، وأردت أن أدرس تخصصاً يؤمِّن لي العمل السَّريع، لكنَّ الأدب في دمي، ودرسته في المنزل؛ لولهي وشغفي به، وهو مرجعي الأول والأخير، فهو الدم الذي يسري في عروقي.

وعن أقرب أعمالها إلى قلبها قالت: عندي ثلاثة دواوين مطبوعة، «أرجوان الشاطئ»، و«رؤيا في بحر الشوق»، و«مهربة كلماتي إليك»، إضافةً إلى روايتين سأبدأ بطبع إحداهما قريباً، وأقرب عمل إلى قلبي هو كتابي الأول «أرجوان الشاطئ»؛ لأنَّ رماله في الأفق تكاثفت في ألمي المخمليّ، الغربة والترحال والحنين إلى الوطن وجرح الحبيب، وربَّما لأنَّه المولود الأول، وله وهجه الذي يبهر القلب بعد انتظار طويل، ولأنَّه هذي بحنيني إلى الأهل الذين رحلوا مبكراً، وإلى الوطن بعد أن هاجرت منه مرغمة، وإلى الحبيب الذي غدر وعلاه الصدأ، وقد كتبت عن مرحلة الضياع والحنين في قصيدتي «وتعربد يا قلبي» حيث قلت:
وَتعربدُ يا قلبي
ماذا دهاك؟؟
جحرُ الدهرِ كثغرِ الكدر يُدْمي شفقاً..
أنا ضللتُ دربي...
والسحب الرابضة في عقر الزمن..
تسن أمانيّ سخاماً
والطينَ تحيله أرقاً
لكن هذا لا ينفي أنَّ لكلِّ ديوان إيقاعه المميَّز، الذي يعزفه على أوتار الروح، نعم أنا خليط عجيب من رمال الشَّاطئ بأرجوانه، ومن رؤيا في بحر من الشوق والحنين، ومن كلمات مهربة إليه، إلى البعيد.
الرواية عالم كبير

- هل أنتِ مع أم ضد ما يعرف بالأدب النسائيّ؟
الأدب لا يتجزأ ذكوراً وإناثاً، قد يكون الأدب عالماً مرئياً ولا مرئياً معاً، عالم محسوس وملموس، عالم متفرِّع ومتنوِّع، لكنَّه لا يمكن أن يكون ذكراً أو أنثى، الرَّجل الأديب يضع لمسات المغامرة أكثر من المرأة، فنجد روح الفراسة تتوغل أكثر في كتاباته، ويسبغ على محبوبته صفات تقرب إلى الخيال اللامحدود، الذي يشرع كل شيء، سواءً كان مباحاً أو غير مباح، فيتحدَّى الأماكن والأزمان، أمَّا المرأة الأديبة فنجد إضافةً إلى حسِّها المرهف الرقيق، أنَّها تتأجج بروح الدراسة التي تربت على كلماتها؛ لتعكس مرآة ذاتها الأنثويَّة المتأنية، التي تتفانى من أجل الحبيب، فهي تدرس المكان والزَّمان قبل أن يهزها الحدث، ويعتصرها الإحساس، لكن نقطة الإبداع تجمعهما في نهاية الدرب، حتى لو تقدَّم أحدهما على الآخر في جو قصيدة ما، أو في لون ما، أو في مركب ما.

- كيف ترين الرَّجل العربيّ في كتاباتكِ؟
لا نستطيع أن نعمم صفات الرَّجل العربيّ على رجل شرقيّ في مجتمعاتنا، فهناك رجال شرقيُّون قد دبَّت فيهم روح العصر التي تساويهم بالمرأة، واحترموا هذا وقدَّروه وساندوا المرأة، سواءً كانت أختاً لهم، أو أماً أو حبيبة، أو زوجة، في خوض غمار العلم والعمل والإبداع، وهناك رجال شرقيُّون ما زالوا يعيشون في ركام عصر الذكوريَّة، ويحيون رفاته بكلِّ ما وسعتهم الحيل، ويمارسون العنف على المرأة، سواءً كان جسديّاً أو معنويّاً أو روحيّاً، وعن هذه الفئة السادية من الرِّجال كتبت عدَّة قصائد، منها: قصيدة «تنفسي حرية»، وقصيدة «اعتق سراحي»، وقصيدة «أرثي لك»، أمَّا عن الرَّجل الحالم المقدام، فكتبت قصائد الحب والبوح المزركش بخمار الغزل، والمناجاة الحالمة التي لا تنضب لهفتها أبداً.

- من أهم الأسماء السعوديَّة التي لفتت نظركِ إبداعياً؟
الدكتور غازي القصيبي، ومحمد حسين زيدان، يمتازان بأسلوب يتأرجح بين محاكاة الواقع، وتسريب الخيال.


ظلم المرأة للمرأة
- يقال في الوسط الفنيّ والثقافيّ: «إنَّ ظلم المرأة للمرأة أشد تأثيراً من ظلم الرَّجل» كيف ترين هذا المفهوم؟
يستوقفني في هذا السؤال قول سمعته من الأديب ميخائيل نعيمة -رحمه الله- يقول فيه: «من كان لا يبصر غير محاسنه ومساوئ غيره، فالضرير خير منه» فقد فصّل الغيرة من خلال إيجازه لكلماته في سطر صغير، يعج بالحكمة والتأمُّل، والغيرة تنبع من شعورين مضادين لبعضهما، فقد تنبع من شعور بالتعالي، أو شعور بالنقص، فالمتعالي يشعر بأنَّه يفوق غيره في كلِّ شيء، وتطغى نرجسيّته على كلّ شيء، فيحاول أن يسحق ما حوله في سخف وتبجح، والذي يشعر بالنقص يعتقد أنَّه في دونيَّة عن غيره، وأنَّه آيل للسقوط والتبعثر في أية لحظة، فيعتريه الوجل والارتباك، والاثنان يدمِّران أنفسهما في المرتبة الأولى؛ لأنَّ الإبداع عدو الأنا، وعندما لا يبصر المرء إلا ذاته ينتهي ويتقوقع على أفكاره وحده، فينفي نفسه من عالم الحقيقة والبصيرة والنور.

بطاقة
- نسرين بلوط عضو في اتحاد الكتاب اللبنانيين.
- فائزة بالجائزة الأولى عن كلّ مدارس لبنان، في مسابقة نظَّمتها رابطة «لابلياد» في لبنان عن عام 1993.
- شاركت في عدد من المهرجانات والأمسيات الشعريَّة، في لبنان، والجزائر، والمغرب، وتونس، منها: مهرجان «فاس» في المغرب، ومهرجان «بوسالم» في تونس، و«الصالون الأدبي» في سوسة، و«الصالون الأدبي» في توزر، و«أمسيات في كازابلانكا» في المغرب، و«أمسيات في نادي الإعلام الثقافي» في الجزائر، و«نادي الجاحظية» و«ضيفة شرف في الصالون الدوليّ» في الجزائر، كما أنَّها حاصلة على دروع تكريم في تونس والجزائر.