في زمن الإنترنت.. أين اندثر حب الأساطير؟

الحب هو ذلك الخيط الرابط والناظم الذي يجمع بين رجل وامرأة، وهو ذلك السر الذي يلهث وراء امتلاكه كل إنسان، فكل واحد يسعى لأن يحب، أن يجد شخصاً يحبه ويعبر له عن ما يختلج مشاعره ويكتنف أحاسيسه، والحب يراود مخيلة كل فتى وذاكرة كل فتاة، وجميعهم يرغبون بإيجاد الطرف الآخر، بيد أن الحب بمفهومه وطرق التعبير عنه قد اختلف اختلافاً جذرياً بفعل الوقت والتطور التقني والتكنولوجي.


الكاتب والاختصاصي الاجتماعي نبيل الهومي يخبرنا عن مفهوم الحب قديماً وحديثاً من خلال هذه السطور:
بداية يقول الهومي: "قديماً كانت الفتاة تنسج صورة لمحبوبها، حيث تصوره فارساً شجاعاً يمتطي فرساً أبيضاً ويأتي لأخذها والذهاب بها إلى مكان بعيد عن الأنظار حتى يتسنى لهما قص شريط حبهما الخالد، وكان الرجل يمثل تاج رأس المرأة، تلهج باسمه في كل مكان، فلا ينفك لسانها عن ذكره وهو في زهو رجولته، إذ تصفه بسمات الكرم والإخلاص والبسالة والشجاعة والإقدام، كما كانت المرأة حافظة سر الرجل وأمينة ماله ومدبرة شؤونه وربة بيته، تتجمل له وتسرها عودته، وتظهر على تقاسيم وجهها أمارات الفرح بمجيئه، وإن اقترف الرجل زلة من الزلات فلا تستطيع المرأة إلا أن تغفر له، وكان الرجل أيضاً يحب زوجته ويعمل على الاعتناء بها وإكرامها، وكانت بين الرجل والمرأة وشائج قوية، وخيوط حب لا تعصف بها رياح المشاكل، ولا تتأثر بواقعات الدهر ونوائبه، لذلك كان من الطبيعي أن تنيف العلاقات الزوجية على ستين أو سبعين عاماً".

تغير النظرة للحب
ويقارنه بما يحدث الآن قائلاً: " في عهد المواقع الاجتماعية فقد الحب مدلوله ومحتواه، وغدا مقيداً بشروط، فأضحت الشابة تصور حبيبها رجلاً غنياً يمتلك سيارة فاخرة ومنزلاً فخماً، من أجل ذلك ارتفعت نسبة العنوسة، وتزايد عزوف الشباب عن الزواج، وأصبح الحب يصور في مشاهد تخدش الحياء وتكشف زيف المشاعر بين المتحابين كتصوير القبل بين المتحابين، ناهيك عن العديد من الأشرطة التي تملأ صفحات المواقع الاجتماعية، والتي تجسد مداعبة أو ما شابه ذلك بين شابين، معتقدين أنهما يعيشان حباً حقيقياً، وأن لا سبيل للتعبير عن هذا الحب إلا من خلال نشر الصور والأشرطة، الأمر الذي أفرغ الحب من محتواه الحقيقي".


ويضيف: "هذه الصور والأشرطة لا تنمي الحب كما يعتقد الكثير من الشباب، بل على العكس تعمل على قتل الحب بمجرد ما يتمكن الشاب من قلب الشابة حتى يمارس عليها سلطته ونفوده، وبعدما ينتهي من إشباع شبقه ونهمه حتى يطرحها كما تطرح البقرة ولدها الميت، ويأتي الدور على ضحية أخرى، ويتعدى الأمر ذلك إلى الضرب أحياناً بسبب علاقة عاطفية لم يتم بناؤها على أسس متينة، وقامت على حب زائف خداع، وقد تتطور العلاقة إلى أكثر من ذلك، وينتج عنها حمل وما يتبع ذلك من معاناة لا نهاية لتبعاتها، لهذا أضحت الإذاعات الوطنية مرتعاً لشرذمة من البرامج التي عنيت بمشاكل الشباب لاسيما المتحابين، حيث تعرض هذه البرامج أوصاب شبان وآلام شابات قادتهم أحلامهم المعسولة وجرهم حبهم المزيف إلى عواقب انعكست سلباً على حياتهم فيما بعد".


التأثيرات السلبية
وحول التبعات السلبية التي أصبحنا نشهدها حالياً يقول: "إذا كان الحب قد انعرج عن طريقه الصحيح وأفرغ من محتواه لدى الشباب، فالأمر كذلك في العلاقات الزوجية، حيث ارتفعت نسبة الخيانة، واكتظت المحاكم بملفات الطلاق، وبات الزوج يطلق لسانه في مساوئ زوجته وعيوبها والزوجة كذلك، وكل طرف يحيك ويضمر الدسائس للآخر، لذلك كثر الإقبال على العرافات والمشعوذين، والنساء لهن قصب السبق في التردد على هذه الأمكنة؛ لأن المثل يقول "كيد الرجال هدّ الجبال وكيد النساء هدّ الرجال"، وانتشرت ظاهرة تعنيف المرأة، وغدا الرجل يبرهن رجولته بضرب زوجته، مما يؤدي أحياناً إلى خلق عاهات مستديمة لدى نساء غدا عش الزوجية عندهن جحيماً لا يطاق وسجناً لا يحتمل".


العودة لحب الأساطير
وعن الحلول من وجهة نظره يقول: "تظهر اليوم حاجتنا إلى حب ينصرف إلى احترام الطرف الآخر، حب أسطوري يذكرنا بقصص الحب الأسطورية كأسطورة "إيسلي وتسليت"، ذلك الحب الصادق الذي تحدى القدر، حيث حزن المتحابان حزناً شديداً وأجهشا في البكاء حتى شكلا بحيرتين من الدموع وأغرقا نفسيهما في تلك البحيرتين، وضحيا بحياتهما بعدما أيقنا بأنه لا حياة لهما دون بعضهما البعض، كذلك أسطورة "إيزيس وأوزوريس" التي جسدت مفهوم الحب الخالد، فالبعض يظن أنه لم يعد للحب وجود، وذات مرة سمعت شابة تقول بأنه لم يعد هناك حب بل فقط هناك إعجاب، وكأنها تنسج على منوال ذاك الحكيم الذي سئل قديماً عن الحب، فقال: "الحب كالطيب كلاهما يتبخر ويضيع في الهواء"، وربما كانت شهادة هذه الشابة محكومة بما تشاهده في الواقع، وبما ينتج عن الحب من تفاهات وحماقات وجنون، لكن ربما يكون الحب الحقيقي هو ما يخلف وراءه من جنون وحماقات كما قال نيتشه في كتابه "هكذا تكلم زرادشت": "في الحب شيء من الجنون، وفي الجنون شيء من الحكمة"، وإذا كان السواد الأعظم في العلاقات يتمثل بالخيانة والنفاق، فهناك علاقات اليوم نشأت وعاشت بالحب وشبت وشابت بالهيام وحيت وماتت بالإخلاص".