"الأمهات العازبات".. ضحايا لحظات الطيش الآثم

"إيمان" الشابة البسيطة التي كانت تعمل بمهنة متواضعة قادها حظها السيء يوماً ما لمنزل إحدى صديقاتها بالتزامن مع وجود أحد أقرباء صديقتها الذي كان يعاكسها ويغازلها، ويحاول التودد إليها في الماضي، لكنها كانت ترفض، وذات مرة وبينما غادرت الأسرة المنزل، أطلق الشاب الموسيقى حتى يحول صخب الموسيقى دون سماع صراخ إيمان، وأمسكها من يدها عنوة، فلم تملك المسكينة إلا الرضوخ، وانتهى الأمر باعتدائه عليها، وبعد أن علمت عائلة الشاب بالأمر وتقرر زواج الشاب بإيمان التي صارت تحمل آثار طيشه في أحشائها، أخلف الوعد وتم إنكار الزواج، وواجهت المسكينة المصير لوحدها، فأصبحت أماً عازبة.


حالة من حالات عديدة اطلع عليها الأخصائي الاجتماعي نبيل الهومي الذي سيحدثنا في السطور الآتية عن مأساة تعيشها بعض الشابات في مجتمعنا من دون الإفصاح عنها، فالأمهات العازبات لسن بالضرورة سيئات نشأن في براثن الرذيلة، بل منهن العديد من ضحايا جرائم الاغتصاب وزنا المحارم، أي لحظات الطيش الآثمة:

ضحية مرفوضة
بداية يخبرنا الهومي عن واقع هؤلاء الفتيات في مجتمعنا السعودي المحافظ قائلاً: "تبقى الأم العازبة مهما كانت ضحية مرفوضة من قبل الأسرة ومن المجتمع، حيث يرمقها الناس بنظرات شزراء، وتحدجها الأسرة بسخط، مما يجعل حرارة الشواظ تعتلج في صدرها، وتبقى المسكينات منبوذات من قبل أسرهن التي ينبغي أن تقف بجانبهن، ويصبن باكتئاب حاد يجعل النوم يفارق جفونهن أو يغدو نومهن شبيهاً بحسو الطير، ويظهر الهم واليأس على تعابير وجوههن، وقد يتطور الأمر أحياناً لمحاولتهن الانتحار أو يساورهن الإجهاض والتخلي عن الطفل النابت في أحشائهن دون إرادتهن نهائياً".


وأضاف: "تبقى هذه وضعية الأمهات العازبات اللواتي غرر بهن، أو قادهن الطيش إلى مصير لا تحمد عقباه، يحملن على عاتقهن مسؤولية تفوق سنهن المبكرة، وأكثرهن لازلن يفتقدن حنان الأم وعطفها ورحمة الوالد، فإذا بالفتاة تجد نفسها داخل قفص الأمومة في عمر صغير وسن فتية، تنضح حياتها بالأسى على هول ما أصابها، فقد أصبحت المسكينة أماً انخرطن في سلك التربية وهي لازالت بحاجة إلى عناية وتربية، وكأنها تنسج على منوال نزار قباني في قوله: فكيف يا أمي صرت أباً بعد ولم أكبر، الأمر الذي يفضي بها في الغالب إلى التخلي عن فلذة كبدها، أو البحث عن من يحمل معها هم المثلبة، وتتقي به نظرة المجتمع التي لا ترحم ولا تغفر، وتكون الأم العازبة كذلك محط أنظار المجتمع يرمقها الناس بسخط وحنق، كما تكون ينبوع التهم ومثار الشكوك والريب، ولا يلتمس الناس لها الأعذار، ولا تغفر لها الأسرة الزلات والهنات، كذلك تبقى وحيدة تبحر في بحر الهموم، وهذه إشكالية مجتمعية خطيرة".

المطالبة بقوانين منصفة
ويرى الهومي أن حل هذه الإشكالية يتمثل بضرورة الاعتراف المجتمعي بهذه الشريحة المغلوب على أمرها، ووضع القوانين المنصفة لها، والتي تضمن لها حق الحياة الكريمة دون ظلم واتهام بإثم لا علاقة لها به، لاسيما ذلك الذي يمارس من المقربين الذين يشعرون بالعار بدلاً من الشعور بضرورة الاحتواء وتقديم الرعاية النفسية والاجتماعية التي من شأنها إعادة تأهيل هؤلاء الفتيات لممارسة حياتهن على نحو سليم، كما يجب تشديد العقوبات على من يقوموا بانتهاك الأعراض والتسبب في الأمر ثم الهرب من دون تحمل مسؤولية الجنين، وتبقى الوقاية دوماً أسلم من العلاج، لذلك يجب توعية الفتيات لاسيما المراهقات بضرورة أخذ الحيطة والحذر لعدم الوقوع كضحية لمن يغررون بالفتيات الصغيرات للتحرش بهن واغتصابهن، ثم تضييع مستقبلهن، فالأم العازبة في النهاية هي شابة كسائر الشابات كانت تحلم بـتأسيس أسرة عمادها الصلاح، وعمودها التوازن، وأساسها التربية والأخلاق، لكن الأقدار غيرت مسار حياتها ربما لقلة خبرتها ووعيها وتدني مستوى تعليمها.