قبيلة الـ "موسو".. آخر المجتمعات الأمومية

10 صور

للموقع الساحر المسمى «بحيرة لوقو» باللغة الصينية اسم رومانسي، يعني «دموع الجبل»، حيث تعيش قبيلة الـ«موسو» Mosuo، وهي مجموعة عرقية صغيرة تعيش على مقربة من حدود الصين مع التيبت، لا تزال تتبع الثقافة الأمومية؛ حيث تكون المرأة غالباً ربة المنزل، وتورث الأمر للمرأة التي تليها، وتقوم النساء باتخاذ القرارات والأعمال والصيد، وأمور أخرى.


تعد ثقافة قبيلة الـ«موسو» محيرة بما فيه الكفاية لعلماء الأنثروبولوجيا، فهم من المجتمعات الأمومية الأخيرة على هذا الكوكب، وعلى رأس كل أسرة ما يعرف باسم «آه مي» Ah Mi أو الجدة، هي كبيرة الإناث الديكتاتورية ثخينة الذراع؛ تتولى الأمور المالية، وفرص العمل، وحياة كل فرد من أفراد الأسرة، إنها أشبه بثور يضع أحمر شفاه، شاهرة السلطة المطلقة، مع فرض كلمتها العليا في جميع القرارات، وهي تضرب بيد من حديد، ولكن الأكثر إثارةً للاهتمام هي عاداتهم في زواج المشي Walking Marriage.

مملكة النساء
إن قبيلة الموسو اليوم مجتمع أمومي مكوّن من نحو 56 ألف شخص يعيشون في الصين قرب الحدود مع التيبت، ويتم تنظيم المجتمع على هذا الأساس بشكل كبير؛ إذ يتبع أسلوب الأمومة المعيشي، حيث تقوم النساء باتخاذ جميع القرارات المهمة، ويطلق عليها «مملكة النساء».
تمارس قبيلة الـ«موسو» الزواج الأحادي التسلسلي، إذ يسمح للذكور والإناث، بل يُشجعون، على خوض علاقات متعددة مع ما يحلو لهم من شركاء، من دون زواج أو علاقة ثنائية، وعندما تم السؤال: كم عدد شركاء العلاقة للقروي في الحياة وسطياً، تجيب «آه مي» Ah Mi: «خمسون».. ثم تبتسم ابتسامة عريضة، قبل أن تقول: «أما أنا فما بين 50 و60» وتبدو فخورة، بإيماءة قوية ونصف «غمزة» غريبة بعينها.
وحتى لو رُزق الثنائي بأطفال، فلن ينتقل الرجل والمرأة للعيش معاً أبداً، بل يبقيان مع الأسر الأمومية الممتدة لهما، ومن مسؤوليات المرأة تنشئة الطفل، لذلك نجد الآباء غالباً ما يعطون المزيد من الرعاية لبنات وأبناء إخوتهم بدلاً من أطفالهم، ومن المفارقات في لغة الـ«موسو» عدم وجود كلمة «الغيرة».

اللغة الهيروغليفية الأخيرة في العالم
إن لغة الـ«موسو»، واسمها «دونجبا»، هي اللغة الهيروغليفية الأخيرة في العالم، على الرغم من أن مستقبلها يبدو متقلباً؛ إذ لم تكن اللغة القديمة البالغ عمرها ألف سنة متقبلة في البداية، وفي أواخر ثمانينيات القرن الماضي ألغتها الحكومة الصينية في المدارس، ولم يكن يتمكن أي مراهق من قراءتها؛ كونها تتطلب نحو خمسة عشر عاماً من الدراسة لفهم كل رموزها البالغ عددها 1400، وبالتالي لا يوجد حالياً سوى ستين شخصاً في العالم لا يزالون يقرأون ويتكلمون لغة «الدونجبا»، ومعظمهم في عمر السبعينيات.
وحتى عام 1950، كان أفراد قبيلة الـ«موسو» ممارسين للشامانية والسحر، وطرد الأرواح الشريرة؛ إذ تقول أساطيرهم إن لجميع الأشياء أرواحاً، وإن تلك الأرواح أبدية، أما النساء من قبيلة موسو Mosuo فلا يتزوجن، ولا توجد كلمة «أب» أو «زوج» في مفرداتهن.

حفل البلوغ
لقبيلة الموسو تقليد معين حين يصبح الطفل راشداً، يحتفل فيه ببلوغ سن الرشد، حيث تعد هذه نقطة تحول في حياة الطفل، وتحدث في يوم رأس السنة الجديدة، بعد أن يكون قد بلغ سن 13 عاماً. وقبل البلوغ يقتصر ارتداء الطفل على ملابس معينة، والمشاركة في مختلف المناسبات الدينية، وبمجرد وصوله إلى سن 13 يعدّ راشداً، وتبدأ المرأة في ارتداء التنانير، ويبدأ الرجال في ارتداء السراويل، كما يمكنهم أيضاً المشاركة في المزيد من أنشطة الكبار الدينية وغيرها، بما في ذلك تقاليد الزواج.
في التحضير لحفل البلوغ، تساعد الأمهات الفتيات على ارتداء التنانير أو الفساتين الفاخرة، وارتداء المجوهرات، وفي الوقت نفسه يساعد أخوال الصبيان الأولاد على ارتداء سراويل جديدة، ووضع السكاكين على الخصر، وفي وقت لاحق من ذلك اليوم يبدأ الحفل وتُشعل النار، ويقف الصبيان على الجانب الأيسر، بينما تقف الفتيات على الجانب الأيمن، ويضع كل بالغ من العمر 13 عاماً قدماً على كيس من الأرز في إشارة لحياة غنية، ثم ينحنون أمام الكبار، الذين يقدمون لهم الهدايا في تلك المناسبة الخاصة.

زواج «المشي» Walking Marriage
إن تقليد الـ«موسو» الأكثر شهرة هو زواج المشي، وفي هذا الزواج لا يعيش الرجل والمرأة معاً لبقية حياتهما، بل يقومان أولاً بزيارة بعضهما بعضاً مرات عديدة قبل أي شيء جدي، وفي المرة الأولى التي يزور فيها الرجل منزل المرأة؛ يجلب الخاطبة أو أفضل صديق له، ويحضر الشاي والسكر وتوابل أخرى، ويقدم الأحباء لبعضهم الهدايا؛ للتعبير عن حبهم ولإثباته لعائلاتهم وأصدقائهم، وبمجرد أن يثبتا أنهما يحبان بعضهما بعضاً كثيراً يمكنهما الوجود معاً؛ إذ «يمشي» الرجل إلى منزل الفتاة في كل ليلة؛ حتى يتمكنا من الاختلاء ببعضهما، ويمشي إلى منزل والدته في الصباح؛ ليوفر لها ما تحتاجه بالعمل، وإذا رزقا بأطفال يربيهم الأم والخال، ولا يمكن لرجل أو امرأة الـ«موسو» المشاركة في زواج المشي حتى عقد حفل البلوغ، ويعد زواج المشي مجرد علاقة عادية بين الرجال والنساء؛ للتعبير عن حبهم لبعضهم بعضاً، ولإنجاب الأطفال.

سيطرة المرأة
في ثقافة الموسو؛ النساء أكثر أهمية وقوة من الرجال، وعلى سبيل المثال في زواج المشي؛ يمكن للمرأة أن تختار الرجل الذي تريد أن يزور منزلها، ولا يملك الرجل حق الاختيار على الإطلاق، وإذا رزقت المرأة بطفل تحصل على كل حقوق الوالدة، وتربيه بمساعدة والدتها، التي هي زعيمة الأسرة، وخال الطفل. بينما يستمر الأب في العيش في منزل والدته، ونادراً ما يرى الطفل، وتدير النساء الأسر، وبمجرد أن تصل إلى عمر معين تتعلم القيام بالأعمال المنزلية والنسيج، فضلاً عن الزراعة وإدارة الأموال، فالنساء هن اللاتي يكسبن المال ويقمن بإدارة العائلات، وليس الرجال.. واليوم بسبب الانفتاح التجاري على القرى والمدن المحيطة بها، فمن السهل الحصول على البضائع، ومع ذلك فإن بعض النساء، خاصة من الأجيال الأكبر سناً، يحرصن على معرفة كيفية استخدام ألواح الغزل لإنتاج الملابس، بينما غالباً يبقى الرجال في المنزل ويقومون بعمل لأمهاتهم، أو يعملون لصالح المرأة، ويتمتعون بالراحة، ومع ذلك لا يخلو الأمر من بعض الأدوار للرجال في مجتمعهم؛ فهم مسؤولون عن تربية الماشية وصيد الأسماك، ويتعلمون من الأعمام وأعضاء الأسرة الذكور الأكبر سناً، كما يتولون ذبح الماشية، الذي لا تشارك فيه النساء أبداً، وتحفظ اللحوم المذبوحة وتخزن في مكان جاف، متجدد الهواء، يبقيها صالحة للأكل، وهذا مفيد خصوصاً في فصول الشتاء القاسية شحيحة الغذاء.

الحياة اليومية
ثقافة الموسو زراعية في المقام الأول، والعمل يقوم على المهام الزراعية؛ مثل تربية المواشي (الثور، الجاموس، الأغنام، الماعز، الدواجن) وزراعة المحاصيل، بما في ذلك الحبوب والبطاطا، ويتمتع الناس إلى حد كبير بالاكتفاء الذاتي الغذائي، وما يكفي لتلبية احتياجاتهم اليومية، أما اللحوم فهي جزء مهم من النظام الغذائي، ولأنهم لا يمتلكون التبريد، يتم حفظها عبر التمليح أو التدخين، فتحفظ لمدة 10 سنوات أو أكثر، بالإضافة إلى إنتاج المشروبات المحلية المصنوعة من الحبوب، ومنها مشروب sulima، ويقدم عادة للضيوف في الحفلات والمهرجانات، أما الاقتصاد المحلي فيقوم على المقايضة، ومع ذلك فزيادة التفاعل مع العالم الخارجي يجلب زيادة للنظام التجاري القائم على النقد، ويتسبب متوسط الدخل المنخفض (150-200 دولار أميركي سنوياً) في وضع قيود مالية عند الحاجة النقدية لأنشطة مثل التعليم أو السفر. وقد تم مؤخراً إدخال الكهرباء إلى بعض مجتمعات الموسو، كما أن المياه الجارية نادرة، وتعتمد المجتمعات على الآبار أو الجداول، ولكن التغيير واضح؛ إذ يمكن للمرء أن يرى الآن الصحون اللاقطة التي تظهر في بعض القرى، وتتكون المنازل في الموسو من أربعة مبان مستطيلة مرتبة في ساحة، حول فناء مركزي، يضم الطابق الأول الماشية، بما في ذلك الجاموس والخيول والإوز والدواجن، وقد تهيم الحيوانات على وجوهها في أرجاء المنزل في النهار، كما أن مناطق الطبخ والأكل والاستقبال أيضاً موجودة في الطابق الأول، ويستخدم الطابق الثاني عادة للتخزين وللغرف الخاصة بالمرأة، بينما ينام أفراد الأسرة الآخرون في مجالس مجتمعية.

حرق جثة المتوفى
وعند وفاة فرد من القبيلة، يتم تنظيف الجثة أولاً من قبل أفراد العائلة والكاهن «دابا»، بعد ذلك يتم تنظيف أجسام الذكور مرة أخرى بتسعة أكواب من الشراب، بينما تستخدم سبع كؤوس فقط لجسد المرأة، ويتم وضع يدي المتوفى على الصدر ولف الجسم بالقنب، كما يتم وضع اليد اليسرى للذكر في الأعلى والساق اليسرى فوق الساق اليمنى، في حين توضع الساق اليمنى للأنثى على الساق اليسرى، وفي منزل كل من مات تحفر حفرة، ويضعون الجثة فيها، في قطعة قماش بيضاء وفرن، ثم توضع فوق الفرن سلة مصنوعة من الخيزران؛ حيث توضع ملابس المتوفى وجميع متعلقاته الأخرى.


في يوم الحرق، يتم لف الجسم بقطعة قماش بيضاء، ويوضع داخل الكفن، وتوضع قبعة بيضاء للرجال مصنوعة من الكتان، ويتم تضفير شعر المرأة أيضاً بالكتان، ثم يتم إشعال النار في الجثة، مع وضع كل ممتلكات الشخص المتوفى في النار وحرقها، وفي النهاية تنحني الأسرة والأصدقاء؛ إجلالاً وإكباراً باحترام، ويودعون المتوفى للمرة الأخيرة، وبعد إخماد الحريق يحين الوقت لجمع رماد الحرق من قبل كاهنين، ويتم إحضاره إلى مكان دفن الأسرة، ثم يوضع الرماد تحت شجرة؛ حتى ينال المتوفى ولادة جديدة، بحسب المعتقدات.