لقاء ونصف مع فاتن حمامة التي تحب «سيدتي»

2 صور

مقال: هاديا سعيد


                                                                                                                                                           لم أخجل من إعلان دمعة أسى حزناً على رحيل فاتن حمامة، وقد بادلتني ابنتي مشاعر الحزن، إنه حضور هذه السيدة، التي تجاوزت لقب النجمة أو الممثلة في الوجدان عبر الأجيال، من أختي الكبرى إلى ابنتي، مروراً بي وبجيلي، لتصبح رمزاً لرحلة نمونا وتطورنا، ومحطات تألقنا أو خذلاننا في مهب رياح اجتماعية ووطنية وسياسية، تنتشر في فضاء مجتمعاتنا العربية.

 

فجأة في ذلك اليوم الحزين، أطلت صورة من الطفولة تجمعني بابنة عمتي، ونحن نغير أسماءنا ونستبدل بها اسمي «سناء ووفاء»، وكانت لفاتن حمامة وماجدة في فيلم «لحن الخلود»، وفجأة يمر شريط متسارع لرحلة العمر مع فاتن حمامة، ليتوقف عند المراهقة مع أفلام مثل «لا أنام»، و«شيء في حياتي»، ثم ليتصاعد تطور الوعي بما قدمته في أفلام مثل «دعاء الكروان»، و«الحرام»، و«الباب المفتوح»، و«ليلة القبض على فاطمة» وسلسلة من الأفلام ترتبط بتفتح الوجدان والوعي، موازاة مع شخصيات جسدتها سيدة الشاشة، وبتفهم أكثر لأبعاد الفن الجميل المؤثر، الذي لا يقوم إلا عبر فريق مميز ومعطاء، ففاتن حمامة هي الصوت والنبض للوحة أكبر يبدعها كتاب ومخرجون ومصورون، فاتن هي طه حسين، وبركات، ولطيفة الزيات، وصلاح أبو سيف، ويوسف إدريس، وكمال الشيخ، وخيري بشارة، هي صنو لفيروز مع الأخوين رحباني، وعبد الوهاب وزياد الرحباني، وكاثرين دينوف مع بونويل وفرانسوا تروفو، ولم أكن أتوقع، وقد انخرطت في عالم الصحافة، أن ألتقي سيدة الشاشة والوجدان، رغم لقائي في بداية مشواري المهني بالعديد من نجوم الفن والأدب والسياسة؛ فقد ظلت فاتن حمامة بعيدة وعلى حدة، لا تقترب إلا من القلوب.


فجأة أيضاً في يوم رحيلها أطل مشهد من بيت العزيزة الراحلة فوزية سلامة في لندن، كانت «سيدتي» في تلك الفترة في بداية انطلاقتها، وفي ذلك اليوم همست فوزية أن صديقاً مشتركاً دبر لنا لقاء مع سيدة الشاشة، ولم نخف على الصديق فرحة خاصة زغردت، إلا أنها بترت، ففي اليوم التالي أبلغنا الصديق عن دخول فاتن حمامة إلى المستشفى، وفي ذلك اليوم علمنا أنها في زيارة خاصة جداً لا يعرف عنها إلا قلة من المقربين، جلسنا في البيت في وجوم، ورددت فوزية بلهجتها المحببة؛ لتقطع حبل الخذلان (يا فرحة ما تمت)! لنفاجأ بعد الظهر باتصال تلفوني، إنها فاتن، تهمس لي فوزية، وهي تتصل من المستشفى لتعتذر لنا عن عدم قدرتها على اللقاء. لا أنسى نبرة صوتها كالهديل: «أنا متأسفة جداً، والله كنت عايزة أشوفكم، أنا بحب «سيدتي» وهي مجلة محترمة، كنت عايزة نتقابل بشكل شخصي وخاص وبس».

 

في ذلك اليوم دردشنا دقائق مع سيدة الشاشة، التي تركت لنا ذكرى عن الالتزام واحترام الوعود، أما المفاجأة الثانية، فقد كانت بعد سنوات وفي مهرجان قرطاج السينمائي، مع عرض فيلمها «يوم حلو ويوم مر»، ومع سيل طلبات اللقاء بها من عشرات من الزملاء والمطبوعات، اختارت «سيدتي» وثلاثة من الزملاء، وكانت لنا جلسة تشبهها في الجمال والأناقة والبساطة، ورغم استفزاز زميل لنا أحب استخدام مصطلحات نقدية في الحوار، كانت إجابتها الصريحة اللطيفة: هل تشرح لي معنى الكلمة؟

 

في تلك الجلسة تذكرت فاتن لقاءنا الهاتفي القصير في منزل العزيزة فوزية سلامة، وقلت لها سأعتبره نصف لقاء، ولم نوضح أكثر؛ فقد تبادلنا احترام خصوصية الوعد والسر، وقد نشر اللقاء في عدد «سيدتي»، في ملف عن سيدة الشاشة وتكريمها في قرطاج، ولا أنسى همس المخرج خيري بشارة عنها في لقائنا معه، هي أسطورة، ولا همس بركات، هي روح لا تكبر.


كل تلك اللقاءات وغيرها نشرت في أعداد «سيدتي» عبر السنوات والمهرجانات، وها أنا الآن أسحب الصور بحنو يشبه حنان نظرة وصوت سيدة الشاشة والقلب، لأكتشف أنها ليست صوراً وذكريات، بل نبضات.
إنها نبضات «سيدتي».