لماذا يفكر الشباب في الهجرة؟

أجرت مجلة سعودية منذ فترة تحقيقًا حول هاجس الهجرة في مخيلة الشباب. في ذلك التحقيق لفتت نظري إجابات الشباب السعوديين حول الأسباب التي أوردوها باعتبارها دافعًا لهم إلى الهجرة، أو التفكير في الهجرة على الأقل. حول تلك الأسباب يقول أحد الشباب: «حياتي روتينية ورتيبة، والأوقات الوحيدة التي أستمتع بها هي عندما أغادر السعودية، حيث تكون الحياة متجددة وممتعة، ففي الخارج يستطيع الشاب أن يجد كل ما يريده، هناك الملاعب والمكتبات والملاهي، والأهم من هذا كله أن الحياة خارج السعودية تجعلك تحبها وتعشقها». يقول شاب آخر: «في أي مكان في العالم عندما يشعر الإنسان بأنه مقيد وغير حر، فإن الرغبة في الاستمرار بالإقامة في هذا المكان تصبح مسألة وقت، وفي السعودية المجتمع يفرض على الشاب عادات وتقاليد صعبة جدًا، يريدونه أن يعيش حياته حسب الطريقة التي عاشها أهله، وأشعر بأن عدد المحظورات يتزايد يوماً بعد يوم».

شاب ثالث لا يبدي ممانعة في الهجرة إلى خارج المملكة، لكنه يربط ذلك بأن تكون هجرته إلى بلد عربي، حيث يقول: «لو وجدت فرصة عمل مناسبة وأفضل من وظيفتي الحالية فسوف أهاجر بطبيعة الحال، كما أنني أستصعب الهجرة إلى بلد غير عربي، فأنا أريد أن أعيش حياتي في بلد عربي».  شاب آخر يبدي وجهة نظر أخرى في الهجرة، حيث يقول: «يحتاج الإنسان أن يجرب حياته في مكان آخر، وأرغب أن أهاجر، وأتخلص من حالة عدم الانتماء التي أعاني منها، فأنا أؤمن بالكثير من الأفكار التي واجهت المشاكل عندما حاولت الإفصاح عنها». إن نظرة واقعية لما عبر عنه هؤلاء الشباب من آراء بكل صدق وعفوية، وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع آرائهم، تجعلنا نتنبه إلى أن هناك بوادر مشكلة كبرى يعاني منها شبابنا، أو على الأقل مجموعة منهم. فما معنى أن يفكر الشباب في الهجرة؟ وما معنى أن يشعروا بأن الحياة في بلادهم تحرمهم من أبسط حقوق الحياة والحرية؟ ما معنى أنهم يعانون من حالة عدم الانتماء والاغتراب داخل وطنهم؟ ومن أي باب ولج إليهم هذا الشعور، صوابًا كان أم خطأً؟ علينا –بالتأكيد- ألا نلجأ إلى أسلوب المزايدة في المواقف من هذه الآراء والمشاعر، بل نقف منها موقف المحلل المتجرد والدارس لهذه الظاهرة التي تسترعي الانتباه، وتستدعي التفكير الجاد. الشباب اليوم ليسوا بمعزل عن العالم، ولن يكون بإمكاننا فرض طوق العزلة عليهم مهما حاولنا.

الشباب اليوم يتطلعون لمستقبل جميل، وهم بحاجة إلى ممارسة قسط معقول من حريتهم، والتمتع بتلك الحرية بعيدًا عن المحظورات الجديدة المبالغ فيها، والتي فرضناها عليهم تارة باسم الدين، وأخرى باسم العادات والتقاليد. وبالطبع فنحن هنا لا نتحدث عن المحظورات الثابتة في الدين بنص قطعي الدلالة، والتي لا يختلف على احترامها أحد. الشباب بحاجة إلى هامش من الحرية الفكرية في السلوك، وفي إبداء الرأي. وهم في حاجة إلى تطوير ذاتهم بعيدًا عن الوصاية والمنع.

 لعل في آراء الشباب هذه ما يدق جرس التنبيه لنا.