رحلة في جرش.. دهشة لا تنتهي وموسيقى توزع الفرح طوال أيام المهرجان

بعض الأشغال اليدوية
من الأشغال اليدوية المعروضة
شعلة المهرجان
مشهد للبازار والحضور بالساحة الرئيسية
ضيوف المهرجان
بعض الأطعمة اللذيذة بالساحة الرئيسية
ابتسامة بائع القهوة لكاميرا سيدتي
منظر عام لشارع الأعمدة
بعض الباعة في الساحة الرئيسية
اقبال ضيوف المهرجان على محال البازار
الساحة الرئيسية
أشغال يديوية أخرى
12 صور
منذ اللحظة الأولى التي تطل بها المدينة الأثرية وانت متجه صوب موعدك مع مهرجان جرش بدورته الجديدة الثانية والثلاثين، تدرك أن هناك سماءاً من الفرح ستسير تحتها طوال الأربع أو الخمس ساعات القادمة، تظل مشدوهاً بهذه الحضارة التي بناها الرومان قبل آلاف السنين، وكأن كل عامود أو حجر بها، يحكي للقادمين حكاية هذا التاريخ الطويل، وهذه الحضارات التي تعاقبت عليها.

عند الوصول إلى البوابات الأثرية في المدينة، أول ما تصادفه الأجهزة الأمنية الأردنية، التي تصل الليل بالنهار، لتأمين الحماية لجميع زوار المهرجان، من أردنيين وعرب وأجانب، يستقبلونك بابتسامة سمراء كعادتهم، ويودعونك بالإبتسامة نفسها، فتدخل إلى رحاب التاريخ والفن والحضارة، تغمرك السكينة من جهة، والحماسة للفن والموسيقى من جهة أخرى.

بعد الدخول من البوابات الأثرية، وبدء خطواتك الأولى في رحتلك، لا تنفك تفكر بما تعيشه من دهشة غامرة، تلتقطها عيناك عن الصخور والأعمدة والمدرجات التاريخية هناك، ولا تستطيع إيقاف نفسك عن التفكير بكل هؤلاء النجوم والمبدعين، الذي ساروا ذات يوم بين هذه الأعمدة، وغنوا أو قالوا قصائدهم لهذه المدرجات، وتكمل مسيرك بشعور بديهي بالغبطة والفرح.

وتتابع الرحلة التي كنت بدأتها، لتصل إلى الساحة الرئيسية، وهناك تجد مئات الأشخاص من جنسيات وألوان وأشكال مختلفة، كلهم يعيشون حلمك الذي تعيشه في هذه اللحظات، ترى أمامك عشرات الـ"أكشاك" في بازار يمتد لأكثر من 200 متر على أطراف الساحة، كلها منتوجات وطنية أردنية، جاء بها أصحابها ليعرضوها لزوار المهرجان، منسوجات يدوية متقنة، أعمال حرفية من الإكسسوارات والقلادات والحقائب وغيرها، مؤكولات شعبية وحلويات طبية، كلها توزع الإبتسام في وجوه الناس، وتدعوهم لتجربة ما لديهم من منتجات، جاءت من كافة المحافظات والمدن الأردنية، كل ذلك يكون مصاحباً للموسيقى التي لا تنقطع ولا تهدأ من مدرجات المهرجان التاريخية، وساحته الرئيسية.

في الساحة الرئيسية حكاية أخرى يقدمها جرش لضيوفه، العديد من الفرق الشعبية والفنانين الشباب، يصدحون بأغانيهم بين الأعمدة الأثرية، كل منهم يقدم لونه الغنائي، وما على الحضور إلا التوقف والإستماع المصاحب للمتعة لما يتم تقديمه على منصة الساحة، ويزيد ذلك إلى مشاركة فرق وفنانين آخرين غير أردنيين، يأخذون حصتهم أيضاً من المهرجان، فيظهر التنوع الموسيقي والثقافي في مكان واحد.

تغادر الساحة الرئيسية، وانت تدرك أنك لم ترى كل شيء، وتتجه صوب شارع الأعمدة الشهير، حتى ترى أشياءاً جديدة، شارع أثري طويل، ظل على حاله منذ رَصَفَهُ الرومان أول مرة، مُتحدياً القرون التي خلت ومرت عليه، ومزيناً بعشرات من الأعمدة التاريخية، ذات الطابع الروماني، هنا أيضاً وطوال مسيرك، تنتشر محالٌ أخرى تعرض منتجاتها من تحف فنية وأطعمة ومشروبات، وطوال الطريق تجد معرضاً للوحات فنية رسمها أصحابها وعرضوها هناك.

تظل مستمراً خلال سيرك في شارع الأعمدة، حتى تصل منتصف الطريق، لتسمع صوت الشعر ينتطلق من مدرج "ارتيمس"، الذي يحتضن في كل عام عدداً من الشعراء الأردنيين والعرب، وتعطي مدرجاته الفرصة لمحبي الشعر أن يستمعوا له في طقسية تعود بهم في التاريخ كثيراً، وفي الحاضر كثيراً أيضاً.

مع انتهاء شارع الأعمدة، يطل عليك المدرج الشمالي بكل دهشته، الذي بُني في عام 165 بالقرن الثاني الميلادي، ويتسع لقرابة 3000 متفرج، والذي يُعد ثاني أهم مدرجات جرش بعد الجنوبي، حيث احتضن طوال اثنين وثلاثين عاماً من عمر المهرجان، الكثير من الفرق والفنانين من مختلف دول وبلدان العالم، ويعتبر معلماً مهماً في التعريف على حضارات وثقافات الشعوب الأخرى.

تخرج من المدرج الشمالي، عائداً من شارع الأعمدة، وماراً بالساحة الرئيسية، حتى تصل المعلم الأخير من رحلتك، حتى تصل المدرج الجنوبي، أكبر مسارح ومدرجات جرش وأهمها، والذي بني في القرن الميلادي الأول.

يعتبر المدرج الجنوبي، نقطة البداية والعلامة الفارقة في تاريخ العديد من نجوم الفن العربي، كما يعتبر حلماً لكل فنان جديد، يبتغي الشهرة والمجد في طريقه الفني، فمن سلاطين الطرب من الجيل القديم، كنجاة الصغيرة، مروراً بالموسيقار اللبناني ملحم بركات والسيدة ماجدة الرومي، إلى كاظم الساهر وجورج وسوف وغيرهم الكثير من نجوم الفن والطرب، من الجيلين القديم والجديد، ولا شك بأن تجربة المدرج الجنوبي، ستظل عالقة وخاصة في أذهان ضيوف جرش، حيث دائماً يكون الواقع مُطابقاً للتوقعات وأكثر.

هكذا تكون انتهت رحلة من العمر، في واحدٍ من أهم المهرجانات الفنية والثقافية على مستوى العالم، حيث يحمل كل واحد من ضيوف المهرجان دهشته التي لن تنتهي، وقصته الخاصة التي سيرويها مراراً ومراراً عن زوايا وحجارة ومدرجات المدينة الأثرية.