المسرحية الأرنية "شواهد ليل".. خفايا المدينة المظلمة والحب الحرام

سوزان بنوي بشخصية رتيبة من العرض
شخصيتا عزمي ورتيبة من العرض
ثامر خوالدة بشخصية عزمي من العرض
مشهد من العرض
المركبة وورشة التصليح من العرض
شخصية عزمي من العرض
مشهد من المسرحية الأردنية شواهد ليل
7 صور
لليوم الثالث على التوالي، تستمر فعاليات الدورة الرابعة والعشرين لمهرجان الأردن المسرحي، وذلك بعرض المسرحية الأردنية "شواهد ليل"، تأليف وسينوغرافيا وإخراج خليل نصيرات، دراماتورجيا رشا المُليفي، وأداء كل من ثامر الخوالدة وسوزان البنوي، والذي طرح قضية الأطفال مجهولي النسب، بجرأة وشجاعة كبيرتين، وتم عرضه على خشبة المسرح الدائري في المركز الثقافي الملكي بالعاصمة الأردنية عمان.

"شواهد ليل" .. من داخل الداخل
يعرض نصيرات خلال عمله الجديد، قضية حساسة جداً في أي مجتمع عربي، قلّ الأشخاص الذين حاولوا أن يسلطوا الضوء عليها، فهو يتحدث عن الأطفال مجهولي النسب، ولكن على لسانهم هم، آخذاً مشهداً من مستقبلهم، من خلال حوار بين الشاب "عزمي" والفتاة "رتيبة"، حيث تدور أحداث العمل في مكان واحد وهو ورشة لتصليح السيارات، يعمل بها عزمي الذي يحاول تصليح سيارة رتيبة.

عزمي، هذا الشاب المدمن على المخدرات، الذي تم العثور عليه في صغره – كما جاء على لسان الشخصية نفسها – عند "حاوية القمامة اللي بجانب المسلخ"، ما قد يفتح أبواب التأويل على الحالة التي يعيشها هؤلاء "مجهولي النسب"، إذ عادة في الحياة الواقعية ما نسمع أنه تم رميهم بالقرب من حاويات القمامة، للتخلص منهم، وذلك لاعتبارهم عارٌ على المجتمع المحافظ، الذي يرفض الأطفال نتاج علاقة غير شرعية بين رجل وامرأة، حيث تنعكس هذه الصورة البشعة والصعبة في العرض المسرحي وفي الوقاع أيضاً على البداية التي غالباً ما سوف تلازمهم إلى نهاية حياتهم وفي أيامهم الأخيرة، إن لم يكن على المستوى المادي، فمن الأكيد كيف سيراهم المجتمع بنظرة دونية، واستحقار كونهم "أولاد حرام"، فعمل نصيرات على إسقاط مكان إيجادهم الأول، على ما تبقى من تفاصيل حياتهم.

أما عن فكرة "المسلخ" في هذه الجملة، فقد تذهب بنا إلى المجتمع مباشرة، الذي يُلقي أحكامه المسبقة بناءاً على المعطيات التي يراها، والتي يعتقد بها إجتماعياً كونهم بنظره "أولاد حرام" جاؤوا عبر علاقة غير شرعية، فيكون قاسياً على هؤلاء الأشخاص على وجه الخصوص، بغض النظر أن لا يد لهم بما اقترفه غيرهم من آبائهم البيولوجيين، فيقابلونهم بالرفض على جميع أصعدة الحياة، الإجتماعية والوظيفية وغيرها، وهنا من الممكن اعتبار إسقاط حالة وفكرة المسلخ، على المجتمع نفسه لبشاعة وقسوة المكان.

"عزمي"، هذا الشاب المدمن على المخدرات، يفتتح العرض وهو يحاول أن يشعل سيجارة، ويبدو عليه عدم الإتزان، ويتفاجئ عند دخول السيارة القابعة في منتصف الخشبة، بوجود "رتيبة"، الفتاة التي تعيش أوضاعاً مادية يبدو بأنها أفضل وأكثر راحة من "عزمي"، لكنها في الوقت نفسه تعيش حالات نفسية سيئة تدفعها لأن تكون هي الأخرى مدمنة على المخدرات، وذلك بسبب حملها بابن غير شرعي، حيث تستمر بين الشخصيتين الأسئلة الباحثة عن إجابات، وهم في حالة كبيرة من تأثير المخدر، حول مصيرهما ومستقبلهما، إلا أن الأسئلة الأكثر خطورة كانت عن ماضيهما، تحديداً "عزمي" الذي لا يعرف شيئاً عن أبويه، ولا يريد أن يعرف شيئاً، وينتهي العمل عنده حيث يتبين أن كل ما مر به ما هو إلا حلم عاشه بسبب تأثير المخدرات التي تعاطاها، وأيضاً قبل سؤاله الأخير، الذي يعد تخوفاً أكثر منه سؤالاً، بأنه يخاف أن يكون هو الجنين الذي في رحمها أي "رتيبة".

ومن الأمور التي ساعدت المخرج في كون الشخصيتين مدمنين على المخدرات، على الجانب الأول، إظهار الحالة البديهية لهذه الفئة المهمشة من المجتمع، والتي في أغلب الأحيان -وبسبب تعاطي المجتمع معهم – سيتجهون إلى مصير مُشابه، ففرصهم على جميع الأصعدة، أقل بكثير من أي شخص آخر في المجتمع، أما على الجانب الآخر، فكون ما حدث على الخشبة عبارة عن حلم -حلم عزمي-، فحالة الهلوسة التي يعيشها الأشخاص تحت تأثير المخدرات، قد تتشابه إلى حد كبير مع الصور والمشاهد في أي حلم، ما ساعد في تقريب الحالة كثيراً إلى الحضور، إلى الحدّ الذي قد يكون فيه المتلقي قد عايش الحالة بشكل كبير، أما من جانب ثالث، فهي قد تعكس ما يعيشه هؤلاء من ضياع وعدم اتزان طوال حياتهم.

السينوغرافيا .. الشخصية الثالثة على الخشبة
نصيرات الذي بالإضافة إلى التأليف والإخراج قام بتصميم السينوغرافيا للعرض، كان موفقاً باختياره لثيمة المكان "ورشة تصليح سيارات"، حيث اعتمد على وضع سيارة قديمة في منتصف الخشبة، كانت هي لحظة بداية حلم الشخصية الرئيسية في العرض "عزمي"، الأمر الذي سمح له بوجود حيز كافٍ لعمل الممثلين، وإيجاد حلول إخراجية لمبررات لقاء الحالتين المختلفتين تماماً والمتشابهتين جداً، بالإضافة إلى أن أضواء السيارة نفسها التي كانت جزءاً مهماً في إضاءة العرض إذ كانت تُترجم العديد من الحالات الدرامية التي عاشتها الشخصيات.

وعلى خلاف المعتاد في أي عمل مسرحي، لم يعتمد نصيرات على صوت الممثل، فقام بتوزيع عدد من "المايكروفونات" على مدار خشبة المسرح، يحملها عدد من التماثيل، بالإضافة إلى "مايكروفونات" أخرى في السيارة، ولم يكن ذلك اعتباطياً، أو بسبب انخفاض أصوات الممثلين على المسرح، فقد تعامل الخوالدة والبنوي معها كأنهم يجرون لقاءات مع الإعلام، وبتقصد واضح للحديث عبرها، وكأن نصيرات يحاول نقل أصوات هذه الفئة إلى الإعلام، وكأن هؤلاء المهمشين يحاولون إيصال قضيتهم إليه وإلى المجتمع، وعلى جانب آخر، وضع هذه "المايكروفونات" بأيدي التماثيل، قد يكون تعبيراً عن أن الإعلام لا يتحرك ساكناً، على الرغم من أنه يعيش بينهم ويعرف قضيتهم، كذلك سماع "عزمي" للراديو، واعتقاده بأن المذيع يتحدث معه وعنه، إلا أنه لم يقل اسمه بشكل مباشر.

النصّ .. تطويع العامية الثقيلة مسرحياً
يُحسب لنصيرات وللموليفي كتابة النصّ باللهجة الأردنية العامية، والتي هي أقرب إلى حالة الشارع الأردني، ولكن مع مراعات الحالة المسرحية الدرامية فيها، فكانا موفقان بالحوارات التي خدمت العمل وموضوعه إلى حد كبير، وقربته أكثر إلى الحضور، مثبتين من خلالها بأن اللهجة الأردنية المعروفة بثقلها عادة، صالحة لأن تكون لغة مسرحية، إلى أنه يؤخذ على النصّ، انجرافه أحياناً في هذا اللهجة خارج السياق المسرحي في لحظات ليست بالكثيرة.

الممثلين .. روح العرض
عمل مخرج العمل بشكل لافت على أداء كلا الممثلين الخوالدة والبنوي، حيث كان قادراً على إخراج شخصية جديدة من أداء الخوالدة تحديداً، الذي وعلى خلاف أعماله السابقة، كان يلعب بإيقاع سريع ومتقن طوال فترة العرض، قادراً على الإمساك بزمام شخصية "عزمي" بشكل جيد، وبدا واثقاً متمكناً من أدواته الفنية كممثل، بالإضافة إلى انتقاله بين الحالات الدرامية التي يتطلبها المشهد بشكل مناسب، بعكس البنوي، التي لم تستطع الإمساك بزمام شخصيتها بالشكل المطلوب، ولم تقدم أداءاً مغايراً عن أعمالها السابقة، والتي كانت أقل ضبطاً لإيقاعها مع إيقاع العمل، بالإضافة إلى ثقلها بالإنتقال بين الحالات الدرامية خلال العرض.