العرض الفلسطيني "المغتربان".. بين العبودية والحرية حبل مشنقة

جانب من الحضور قبل بدء العرض
لحظة تكشف الحقائق وظهور المال الذي تخبئه الشخصية الأولى
الشخصيتان في بداية العمل
شخصية الإنسان البسيط من العرض الفلسطيني
مشهد من عرض المغتربان
الفريق بعد انتهاء العرض
بطلا العمل يحتفلان برأس السنة من العرض
من الحوارات بين الشخصيتين
محاول الشخصية الأولى الإنتحار
لحظة تمزيق الأحلام والمال للشخص البسيط
مشهد عام للعرض الفلسطيني
شخصية المثقف من العرض الفلسطيني
من العرض الفلسطيني
مشهد من العرض
لحظة تمزيق المثقف لأوراقه وأفكاره
15 صور
وصلت الدورة الرابعة والعشرون من مهرجان الأردن المسرحي إلى يومها السادس، حيث شهدت عرض المسرحية الفلسطينية "المغتربان"، للمخرج إيهاب زاهدة، وأداء الفنانين محمد الطيطي ورائد الشيوخي، بعمل مقتبس عن مسرحية "المهاجرون"، للكاتب البولندي سلافومير فروجيك، والتي كتبها في العام 1974 في باريس بعد هجرته إلى هناك، وكان العرض على خشبة المسرح الدائري في المركز الثقافي الملكي في العاصمة الأردنية عمان.

"المغتربان" .. متناقضان بين الوطن والمهجر
حوار طويل في إحدى ليالي رأس السنة، في إحدى الدول المجهولة، لاثنين من المهاجرين القادمين من بلد مجهول أيضاً، كان مُحملاً بالكثير من الكوميديا السوداء التي يقف المشاهد عندها طويلاً حتى ما بعد العرض الفلسطيني، حوار بين نقيضين وعالمين مختلفين تماماً، مختلفين إلى حد التشابه أحياناً داخل هذا الإختلاف.

هما شخصان مجهولان، لا اسم لهما، أو بإمكاننا أن نُسميهما ما شئنا، الأول بسيط وعلى قدر قليل جداً من الثقافة والوعي بما حوله، لديه هدف واحد من هذه الهجرة الطويلة التي استمرت معه لأكثر من ثلاث سنوات، وهو أن يجمع المال من مهنته المتعبة في حفر التمديدات الصحية حتى يصير ثرياً، ويعود إلى وطنه كي يبني منزلاً كبيراً ويعيش حياة مُرفهة، ولشدة تعلقه بهذا الحلم، يتحول في توفيره وجمعه للمال، إلى شخص بخيل جداً، لدرجة أنه يشتري ويأكل طعام الكلاب والقطط كونه أرخص ثمناً.

والثاني، معارض سياسي، ويُعد من النخبة المثقفة في البلاد، تم تخييره بين السجن والإبعاد عن الوطن بسبب نشاطه السياسي ومقالاته المناوئة للسلطات، فاختار الهجرة إلى هذه البلاد الجديدة، ويعيش حالة من العزلة التامة بين كتبه وأوراقه، حيث يحاول أن يجعل لحياته أي معنى من خلال "نـيته" وعزمه على تأليف كتاب عن الإنسان والعبودية والحرية، عبر مراقبة الناس البسطاء، وتحديداً الشخص الأول الذي يعيش معه في المكان نفسه.

يعيش كلا الشخصيتين في الطابق السفلي لإحدى البنايات في بلد المهجر، بين التمديدات الصحية، وبظروف حياة صعبة للغاية، وكلاهما يكرهان بعضهما كثيراً، للعديد من الأسباب أهمها اختلافهما الشديد إلى حد التناقض، وكلاهما لا يعرف لماذا لا يزال مُتمسكاً بالآخر وبالعيش معه، ويقضيان كل وقتهما بالمشاجرات والمناوشات والثرثرة التي لا طائل منها، ولكن بالوقت نفسه يتخلل حديثهما في باطنه الكثير من الأسئلة الوجودية والفلسفية، وعن معنى الحياة، حياتهما على وجه الخصوص، بأجوبة مبتورة حيناً وغير مقنعة حيناً آخر.

وتصل حدة هذه الحوارات إلى محاولة قتل بعضهما بالعديد من المرات، حتى يصل العمل إلى ذروته حين بدأت تتكشف الكثير من الأمور في داخل كل منهما، وتبدل الرؤى والأفكار بينهما، وتختلط الأمور والشخصيات، بين من يعتقد نفسه إنساناً حراً ويدعي عبودية الآخر، ومن يحاول الإنعتاق الذهني والوجودي من هذه العبودية لكي يصير حراً، وباللحظة التي يصل فيها الصراع إلى آخره، يتخلى كلٌ منهما عن حلمه وسببه من هذه الهجرة، فيمزق الأول الأموال التي جمعها وخبأها في دمية على شكل "كلب"، لإثبات ما يخالف حديث الثاني المثقف، الذي بدوره يتخلى عن تأليف كتابه ويمزق جميع المقالات والملاحظات التي كان دونها سابقاً، وتنقلب الأدوار بين الإثنين حتى يُقدم الثاني على الإنتحار بعد أن تكشفت له الكثير من الأمور، وبعد أن كان يحاول ثني الأول عن هذا الفعل، لتبقى جدليتهما أو جدلية الأشخاص الذين يختارون الهجرة والغربة، ويرضون بعيش حياة صعبة في سبيل أسبابهم المختلفة، إلى جانب الهاجس الوجودي والمؤرق لهم، مستمرة بدون إيجاد حلول أو إجابات واضحة وصريحة.

النصّ .. بطل العرض الأبرز
يواجه أي مخرج أو معد نصوص تحدياً هائلاً في تقديم أي عمل ذهني يعتمد على الحوار بشكل رئيسي بين الشخصيات، الأمر الذي سيقلل من الفعل الجسدي على الخشبة، لظهور سطوة النصّ كعنصر وعامل أساسي في العمل، وعليه فإن الجهد الذي سيبذله المؤلف أو الدراماتورج خلال كتابته للحوارات والمنولوجات، لا بد أن يكون كبيراً، حتى يتمكن من شد انتباه المتلقي حتى النهاية، وإعطائه هذه الجرعة الكبيرة من الأفكار عبر هذه الحوارات بدون التسبب بتفكك العمل وانسلاخه عن باقي عناصره، وإلى جانب آخر دون أن يتسلل الملل إلى المتلقي نفسه.

وفي العرض الفلسطيني "المغتربان"، عمل جورج إبراهيم الذي ترجم وعالج النصّ درامياً، على بذل هذ المجهود خلال النصّ، ونجح إلى حد كبير في تقريبه إلى المشاهد العربي، ولعل عمله كان من أهم العناصر التي أنجحت العرض، حيث تمكن من مزج الحالات الدرامية المختلفة من غضب وضحك، من كوميديا وتراجيديا مع حوارات الممثلين بشكل سلس منسجم، بدون تفكيك العناصر الأخرى كما ذكرنا سابقاً، وبدون الخروج أو ضياع الإيقاع العام للمسرحية، بالإضافة إلى إعطاء هذه المساحة الكبيرة للممثلين في تقديم أداء تمثيلي متقن دون أن يسيطر موضوع وفكرة النصّ على الأداء.

المخرج زاهدة وإدارته للعمل..
كان المخرج زاهدة قادراً خلال العمل على ضبط إيقاع وأداء الممثلين الطيطي والشيوخي، وتوجيهما إلى حالة العرض بشكل عام، من خلال إعطائهما المساحة الكافية والكبيرة في العمل والإشتغال على الشخصيات، وإدارته لحركتهما المحدودة على الخشبة، فظهرت جميع حركاتهما وحالاتهما الدرامية محسوبة بعناية وتركيز كبيرين.