«سيدتي» تلتقي الأميرة حصة بنت سلمان بن عبد العزيز:أنتمي إلى جيل ثالث من النساء السعوديات

7 صور

في مكتب شقيقها الذي تغطي اللوحات ذات القيمة الفنية جوانبه، وفي حضوره. كانت ترتشف مشروب القهوة «الكابتشينو» من لحظة لأخرى، وتعود لتستأنف حديثها عن الأدب المقارن، وتكنولوجيا المعلومات وعن علم العروض، والرمزية الفرنسية، وعن ظاهرة عولمة الاقتصاد.

كانت تتحدث بحماس إنسانة تستكشف غرائبية العصر الذي يفرز كل يوم أعاجيب من التعبير التكنولوجي، والتحول الاجتماعي فهذه الفتاة هي نفسها تعتبر، بمعنى آخر، رمزاً لعصر تشكل فيه المعركة اللانهائية بين ثوابت الماضي وبين وعود المستقبل، مدار البحث المحوري للوجود الإنساني.

للوهلة الأولى يمكن أن تبدو محدثتي كأي شابة حديثة التخرج من إحدى الجامعات الغربية العصرية، لكنها في ثنايا الحوار تكشف عن إحساس عميق بهويتها الوطنية، فمحدثتنا خريجة سعودية شابة في جامعة الملك سعود في الرياض، هي الأميرة حصة بنت سلمان بن عبد العزيز، ابنة الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، وشقيق خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عيد العزيز. في ذلك الوقت.

حصلت الأميرة حصة لتوها على شهادتها الجامعية، وتعتزم إكمال تعليمها العالي في لندن، وقد أثارت الانتباه حين نشرت قصيدة شعرية؛ احتفالاً بتخرجها أهدتها إلى والدها الأمير سلما،ن صورت فيها مدينة الرياض كأخت كانت شريكة لها في الفوز بمشاعر أبيها.
سألتها إذا ما كانت ترى اختيارها القصيدة للإفصاح عن نفسها أمراً غريباً بعض الشيء أجابتني بدهشة: اخترت هذا القالب عن عمد، إذ أردت أن أبين أن بوسعي امتلاك ناصية قالب صعب من أساليب التعبير التقليدية، وتطويعه للتعبير عن مشاعر عصرية.

«أنا أسعى لفتح أبواب كثيرة لأرى ما يكمن وراءها..هذا لا يعني التخلي عن ما هو جدير بالمحافظة عليه في ثقافة المرء»
وهنا تشدد الأميرة الشابة على نقطة مهمة هي عدم الخلط بين المحافظة والانغلاق؛ لأن المحافظة لها مفهوم لا يتناقض مع التطور والازدهار العلمي أو الاقتصادي؛ أما الانغلاق فمفهومه يعارض الحق وينافي الدين، وقد ذم الحق سبحانه وتعالى قوماً عاشوا جاهليتهم في الانغلاق عن الحق: «وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ».

ويقودنا نقاش الأشكال الشعرية إلى قضية موقع المرأة في المجتمع السعودي المعاصر.

تقول الأميرة حصة:
هو في تغيير، ربما بمعدل أسرع من معدلات التغيرات الأخرى في المجتمع ككل، فأنا أتنتمي إلى جيل ثالث من النساء السعوديات، نساء الجيل الأول كن متوحدات بدورهن في «حراسة القلعة» إذا جاز التعبير، يرعين شؤون الأسرة في الوقت الذي كانت عملية تدعيم أركان المملكة... كانت قضيتهن هي تقوية مكانة المرأة أينما ووقتما كان ذلك ممكناً.

أما سيدات الجيل الثاني فوجدن أنفسهن في مجتمع تبلورت فيه هوية سعودية متفردة، حصلت فيه السعودية على موقع لها في النظام العالمي وكان عليهن أن يخضن معركة التعليم.
تقول الأميرة حصة:
هذه المعركة بادر بها رجال أدركوا أن أي مجتمع عصري نام لا يستطيع أن ينكر على نصف سكانه فرصاً متساوية في التعليم، وكانت جهود هؤلاء الرجال مدعومة من سيدات متحليات بالشجاعة، وغالباً ما كن يفعلن ذلك في مواجهة معارضة قوية من عائلاتهن.
في هذا السياق تشير الأميرة حصة إلى أن صانعي القرار في المملكة لم يكونوا في حاجة إلى من يقنعهم بأهمية تعليم المرأة، وإنما الأسر السعودية المتوسطة هي التي كانت تخشى التغيير.

تتابع الأميرة حصة: في تلك المرحلة كسبت المرأة السعودية معركة التعليم، فالطالبات السعوديات يشكلن 44 % تقريباً من إجمالي الطلاب فهن يتفوقن في معظم المواد والمناهج الدراسية على الطلاب السعوديين، سواء في الجامعات أو مراكز التعليم العالي الأخرى.
لقد حظي الجيل الثاني من السعوديات أيضاً بخدمات الرفاه الاجتماعي بفضل الازدهار الاقتصادي الذي شهدته المملكة.

وتستطرد الأميرة حصة: بعضهم اعتبر تعليم المرأة بمثابة هبة يتعين على النساء الاستفادة منها لأنفسهن دون أن يكون عليهن التزام ما بتقديم أي شيء في المقابل للمجتمع، رغم ذلك شيدت بعض نساء «الجيل الثاني» مسارات مهنية تتمحور حول تخصصاتهن الأكاديمية، إلا أن غالبيتهن اكتفين باعتبار تعليمهن نوعاً من الرفاهية.

الجيل الثالث: نقلة نوعية
برأي الأميرة حصة إنه لم يعد وارداً اليوم بالنسبة لنساء الجيل الثالث ألا يواصلن تعليمهن العالي، وفي أكبر عدد من المجالات. فاستثمار المملكة في مجال تعليم المرأة طوال العقود الثلاثة الأخيرة تقريباً أفرز قاعدة عريضة من المهارات والمعارف التقنية، التي يمكن أن تصل قيمتها الاقتصادية إلى ملايين الدولارات. تتابع: أشعر أن التعليم الذي تلقينه باهظ التكاليف؛ لابد وأن يتم التعامل معه، كاستثمار اجتماعي للمساهمة في الاقتصاد الوطني.
وتشرح الأميرة حصة أهمية أن يتم التعامل مع قضية واجب العمل على أساس حقائق الواقع القائمة: «إن مجرد إثارة جدل حول القضية لن يحقق شيئاً، وإنما علينا أن نحدد وسائل تمكن المرأة من توظيف تعليمها لخدمة المجتمع ككل دون المساس بالعقيدة ولا بالتقاليد».

تكنولوجيا المعلومات: الحل النموذجي
تعتقد الأميرة حصة أنه يمكن الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات، فهناك اليوم زوجات وربات بيوت يقمن بممارسة الأعمال المحاسبية من منازلهن على سطح جزيرة نائية أمام سواحل اسكتلندا، لشركات في اليابان أو في الولايات المتحدة. وتضيف الأميرة حصة: إن ركناً صغيراً في أي منزل يمكن تحويله إلى ورشة عمل متصلة بشبكة الاقتصاد العالمي.

وتمضي الأميرة حصة في شرح وجهة نظرها، كاشفة عن قناعة راسخة بها قائلة:
إن روعة تكنولوجيا المعلومات تكمن في أنها تمكننا من الحفاظ على قيمنا، وفي الوقت ذاته تتيح لنا الانتفاع من فرص النمو والتطور، وتتذكر الأميرة مقولة للأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي، عن موضوع العولمة: «إن المستقبل هو الأمن الفكري قبل الأمن الاجتماعي»، فقوله يدل، كما توضح، على الإدراك العميق، وبعد النظر في ضرورة التحصن إزاء هذه الثورة الفكرية.
وهي ترى أن تكنولوجيا المعلومات أو «العولمة» ثورة أذابت الفوارق الفكرية، فأصبحنا جميعاً، نساءً ورجالاً، عقولاً تضرب على مفاتيح لا تفرق بين جنس وآخر.

وتضيف قائلة: إن عدداً كبيراً من النساء السعوديات المتعلمات يمثلن «منجم ذهب حقيقياً من المهارات»، وفي الوقت الذي تتدارس فيه المملكة الوسائل، التي تمكنها من تقليل اعتمادها على العمالة الأجنبية يصبح من الحكمة بمكان أن تنقب عن الذهب في هذا المنجم. تستدرك الأميرة حصة: "النساء السعوديات المتعلمات يمثلن الاحتياطي الإستراتيجي من المهارات للمملكة، وعزل المرأة عن المشاركة في المجتمع يعد تعطيلاً لهذه القدرات".
وتؤكد في هذا الخصوص على أن كل من هم على دراية كافية بمبادئ المملكة الإسلامية، يعلمون أن الكثير من القيود المفروضة على النساء تعود في جذورها لأسباب تاريخية واجتماعية، والخطوة المقبلة يجب أن تكون تكليف المرأة بواجب اكتساب الخبرات في مجالات تعليمها، عن طريق العمل في ضوء تعاليم ديننا الحنيف.

المبادرات الفردية بداية الطريق
في البداية كان عمل المرأة السعودية مقتصراً على المجالات الخيرية، والتي أثبتت النساء السعوديات كفاءتهن وجدارتهن بتحمل المسؤولية، وخارج مجالات العمل الخيري كنا نجد أن أي منصب وظيفي تحتله سيدة إنما حصلت عليه على أساس فردي.
وأما اليوم فلا يوجد مجال واحد في التعليم متاح للرجال، وليس متاحاً للنساء وحتى في مجال الخدمات الطبية هناك العشرات من الفتيات السعوديات يدرسن؛ ليصبحن طبيبات وممرضات في المستشفيات. وهنّ أيضاً في المصارف والتجارة والأعمال، وبعض مجالات سوق العمل مثل الزراعة، ومتاجر التجزئة في الأسواق التقليدية، ويبقى على المرأة السعودية أن تقتحم وتفوز بفرص العمل في المجالات الوظيفية، التي تتطلب مهارات أرفع.

عودة إلى الشعر
مع ثالث فنجان «كابوتشينو» تعود الأميرة حصة إلى موضوع القصيدة، التي نشرتها في بعض الصحف السعودية الشهر الماضي، فتقول إن نحو عشرين عاماً مرت على التحول الذي مرت به الرياض كعاصمة للمملكة، وهذه السنوات تزامنت تقريباً مع حياتها هي حتى الآن.
وتشرح الأميرة فكرتها، مبتسمة بهذا المعنى، «نحن توأمان، فخلال سنوات طفولتي ومراهقتي شاهدت والدي يمنح الرياض الحب والولع والعناية والاهتمام، الذي أسبغه على ابنته الوحيدة، كان يؤمن بمستقبل الرياض، بمثل إيمانه بمستقبلي».
وتضيف الأميرة حصة أن الأمير سلمان بن عبد العزيز يحق له بلا جدال أن يفتخر بالرياض. «هذه مدينة جميلة تنضوي على قدر كبير من الدفء الإنساني، إنه كحلم صار حقيقة: قطعة من الصحراء تم تحويلها إلى حديقة غناء».

وهنا تصمت الأميرة حصة لبضع لحظات ثم تستطرد قائلة
«أتمنى أن يكون أبي فخوراً بي أيضاً، وأنا مصممة على أن أفعل كل ما وسعي لتحقيق ذلك، تماماً كما فعلت أختي مدينة الرياض».