فنجان قهوة

نظر إليها وارتشف رشفة أخرى ساخنة، كسخونة قلبه الذي اشتعلت فيه النيران من فتيل نظرة عينيها، تلك التي سحرته بسحر لن يستطيع كائن من كان أن يحل قيدًا منه، غمره شعور بالضعف، باليأس؛ لأنه لم يحاول أن يقاوم ذلك التيار الذي أخذه بعيدًا إلى عالم لا يعلم عنه شيئًا؛ لأنه كان قد حرّم على قلبه دخوله والتحليق في سمائه، والهبوط على أرضه، حيث السعادة والأمان، قلبه الذي كان قد دفنه تحت تراب الزمان، حتى صار هيكلاً تنقره الطيور من كل مكان.

يمشي في دنياه كجسد تخشى أن تسكنه الروح؛ لئلا تضيع بين ظلام ووحشة تلك الأعماق، حاول أن يغمض عينيه عن ذلك النور الأخّاذ، حاول أن يغلق تلك النوافذ كلها، ولكنه لم يستطع؛ فروحه قد حلقت في سماء الحب، تأبى الهبوط بين سراديب الظلام، وقلبه قد صارت أرضه جنة خضراء، يجري فيه ذلك النهر، ليروي تلك المشاعر والأحاسيس، التي كانت قد ولدت من جديد، لتجري بين تلك السهول والتلال والوديان، حاول أن يغمض عينيه، لعل تلك النيران المشتعلة تعود لتنطفئ، لكنها ازدادت اشتعالاً، فآلمته بالشوق والحنين، ففتح عينيه ببطء لتنظر إليه بابتسامة قد أضاءت وجهها لتزيده جمالاً، ويزداد قلبه حبًا واشتياقًا لابتسامة أخرى، وشعر بأنه يغرق أكثر بين زرقة تلك العيون، كان يريد النجاة، ولكنه آثر البقاء؛ لعله يرسو على شاطئ ما، لكنه لم يستطع الحراك؛ فخوفه مازال يعيش بين ثناياه، خوفه من أن يكون ذلك مجرد نزوة عابرة تعصف بالشباب، خوفه من أن تكون هي قد أعطت قلبها لأحد آخر غيره، فكيف تعطيه ما لم يكن ملكها الآن؟! كان يتمنى أن يمسك بيديها الناعمتين ويقول لها: «أحبك..»، لكن حروف تلك الكلمة كانت تسرع لتختبئ وراء خيالات قد ذهبت بعيدًا...

شعر بألم في يده، فنظر ليجد انسكاب فنجان قهوته عليها، ويرى احمرارًا يغطيها، ظنت نفسه بأن ما حدث منذ زمن ليس بالقصير! فوقف وأخذ يشتم حظه السيئ،

فلفها بسرعة بمنديل كان على طاولته، ونظر إليها من جديد ليراها قد اختفت.

اختفت لأنها كانت مجرد طيف يأتي ويذهب مع رياح الماضي، مجرد طيف قد أتى ليذكره بأنه قد تأخر، تأخر وطال انتظارها، فسبقه الموت وأخذها منه في حادث قد رتبته الأقدار، وقف عاجزًا وهو ينظر إلى مكانها الخالي، لا يدري لماذا يأتي كل يوم ويأمل في رؤيتها، وقول ما كان يجب أن يقوله لها منذ أن التقت تلك الأرواح العابرة، تساءل في نفسه: لماذا تعود وتذهب من جديد؟ هل عادت لتذكره بألم لم تستطع أن تمحوه دموع الأيام؟ أم لتذكره بألم انسكاب القهوة على يديه في كل مرة يقوده جنونه المحض لرؤيتها...!

ريم هيثم الأشهب – جدة

 

 غاليتي

لن أنساك مهما حييت

أنت حب حياتي هذا أكيد

معك عشت حياتي

بعدك أعيش ذكرياتي

صرت لا أخاف مماتي

طمعًا في رؤيتك غاليتي

لو كان الزمن يعود

لكانت سعادتي بلا حدود

ولعشت معك أمل الخلود

حبك غالٍ مقياس غلاك

ووجودي لا معنى له بلاك

صرت أستعجل مماتي

فحضنك كل أمنياتي

يا من نادتني بروحي

بعدك من سيطبب جروحي

وعد مني لن أنساك

فدموعي هي ذكراك

كيف أنسى أماني، كيف أنسى حناني، كيف أنسى هويتي، كيف أنسى سبب وجودي، كيف أنسى يتمي، كيف أنسى أمي.. كيف أنساك غاليتي؟!

رجاء لدهام – المغرب

 

 

  ترَفَّعْ  بسمو الأَخْلاق!

يختزن في عقلك الباطن ما يدور من الأحاديث والحوارات اليومية في فص المخيخ اللاواعي دون أن تشعر، حتى تبدأ بالتلفّظ بها لا شعوريًا، حيث أيضًا التعود على سماع الكلمات والمصطلحات التي لم يسبق لك أن استعملتها، قد يجعلك تتخذها في أحاديثك مع أناس آخرين.

ومن سلوك رقي الأخلاق أنك تتّبع وتصاحب من هو خيِّر، جميل الأخلاق، حسن التعامل، إلا إذا كان الاضطرار سيد الموقف لمعاشرتك أو ملاقاتك يوميًا بأشخاص ذوي شخصيات قبيحة، سخفاء الأسلوب، أحاديثهم فارغة مخلة لآداب الحوار، فأولئك أناس لا خير في أفواههم وإن حَسُن تدبرّ عقلانيتهم، فإن الخير يأتي أولاً بحسن اللسان وجمال الأسلوب وأدب ورقي التعامل، فمهما كنت بارعًا أو ذا عقل راجح أو حتى سيد زمانك ففي الأخلاق والتعامل تصوير لعقلك، وبيان لتكوينه ومنهجية رُقيك.

قال أحد الحكماء: الأدب صورة العقل، فصوّر عقلك للناس كيف شئت، والتواصل اللفظي هو العامل القائم ما بين الناس والمجتمعات.

إن من الغايات التي أُرسل من أجلها النبي المختار –صلى الله عليه وسلم- أن يحسّن ويتمم مكارم الأخلاق، فهو عليه الصلاة والسلام خير معلّم وأجمل قدوة في سمو التعامل ورقي المجتمع، حتى مع أعدائه كان حليمًا جميل الإحسان.

لذلك قامت سلسلة «ترفَّع بسمو الأخلاق» القائم عليها شباب وشابّات من المجتمع المؤمن بالتغيير للأفضل هو حجر الأساس المرْتكز عليه لبناء أمة محمدية مقتدية بمعلّم الأخلاق، موجودة على شبكات التواصل الاجتماعي؛ لنشر التوعية الأخلاقية وإثبات أنه مازال الخير في أمة محمد.

سحر عدنان المختار – مكة المكرمة

 

 

  نعمة النسيان

 كالمياه تتدفّق مني الأفكار

ساعات طويلة ولم أتوصل إلى قرار

أضعف هذا؟ أم أنه فرار؟

فرار من الماضي أو سوء الاختيار؟

لقد تعبت من ذاك التكرار

فكل شيء من حولي له تذكار!

ربّي أكرمني بنعمة النسيان.. فوحدها التي تمحو كل ما للحزن من آثار!

سالي أبو بكر – لبنان

 

  قصة ضائعة

في يوم من الأيام قرأت حكاية مليئة بالآلام، ضاعت حروفها، واختفت ألوانها، وأخرى تمزقت أوراقها، تلطخت أوراقها القديمة بدماء الشهداء، وأوراقها الجديدة كتبت بدماء الأطفال.

قصة حزينة، وقصة مؤلمة، وأخرى تحكي معاناة شعب، قصة للقدس ورام الله، وقصة لحيفا ويافا، قصة لعكا وجنين، وأخرى كتبت بدموع غزة الحزينة، تملؤها الجروح، وقصة دفنت مع أبطالها، وأخرى لأطفال ليس لهم ذنب سوى أن دم فلسطين يجري في عروقهم.

قصة لأبطال دافعوا عن فلسطين، لرجال وهبوا أرواحهم فداء لفلسطين، وأخرى لشهداء سقوا أشجار القدس بدمائهم الطاهرة.

قصة انتفاضات بالحجارة زلزلت أركان اليهود، وقصة يهود يخافون من حجارة، وأخرى لمجازرهم التي أزهقت أرواح الأبرياء، قصص نساء فلسطين اللائي وهبن أرواحهن دفاعًا عن شرف فلسطين، وقبل أن تنتهي حكايتهن تركن أطفالاً كبارًا ليسطروا قصصًا جديدة، إنها حكاية فلسطين المليئة بالقصص، عمرها 60 عامًا تحكي آلاف القصص، لكن تنقصها أروع القصص، قصة بحثت عنها كثيرًا، فتشت عنها في كل الكتب إلى أن اقتنعت أنها لم تكتب بعد، قصة لم ترو بعد، فمن سيروي لي القصة التائهة، من سيختم حكاية فلسطين بقصتها الأخيرة، قصتها الضائعة، المليئة بالحب، التي يبحث عنها أطفال فلسطين، قصة السعادة الأبدية، قصة النهاية الجميلة... من سيحكي لي قصة التحرير؟

علي حُميد- صنعاء

 

  ذكراك

إذا جنَّ الليل تذكرتك ورسمتُ ملامح الحزن بوجهي

وعلامات الحيرة تداعب حاجبي فأين أنت ِ؟

في صبح أتنفس عشقك

وأغدو كالأعمى أتخبط بين الممرات باحثًا عنك

إذا جنَّ العقل بالجنون رسمتك على ورقة أخط خطوط خدودك

وتركت جنون العشق يلامس أطراف أناملك

في الظهر أتستر بعيونك وأخبئ أسراري وإلهامي

وحتى ثرثرة خواطر في شرايين أوردتك

وإذا جنَّ الليل مرة أخرى سامرتك تحت ضوء القمر

«أفرشت» الهموم أمامك وعلامات الحب ظاهرة

لا يخفيها ضوء القمر المتسلسل بين حبيبات شعرك

فأنسى الكون وأنسى نفسي في لملمة حيرتي

ورعشة يدي تدين خوفي وانبهاري بجنون الليل

فأعزم ألا أعشق الدجى من غيركِ ولا أجن بالليل دونك ِ

أحمد نيمر- اليمن