علياء زعل لوتاه الفنانة التشكيلية:رسمت أضواء شوارع الإمارات على رؤوس أشجار الغاف

علياء زعل لوتاه الفنانة التشكيلية: رسمت أضواء شوارع الإماراتعلى رؤوس أشجار الغاف
علياء زعل لوتاه الفنانة التشكيلية: رسمت أضواء شوارع الإماراتعلى رؤوس أشجار الغاف

تتذكر الفنانة التشكيلية الإماراتية علياء زعل لوتاه، تلك الرسمة التي أبدعتها من خيالها في طفولتها.. كانت على لوحة قماشية، تجسد أشكالاً هندسية غريبة ومتداخلة، استخدمت فيها الألوان بدرجاتها البنية والكركمي، في ميل لا شعوري إلى الأرض التي اختارت ألوانها من تموجات كثبانها الرملية، وروعة سماء صحرائها في أوقات المغيب، جسدت انتماءها في تركيبة إبداعية لفتت الأنظار إليها، فهي حتى بعدما كبرت وأصبحت مقيّمة فنية لمتحف اللوفر، والعديد من معارض دبي، ومع أنها حائزة على وسام الفنون والآداب الفخري من الحكومة الفرنسية فئة «فارس الفن» في العام 2023؛ ما زالت تعيش ذلك الشعور الغامض الذي غمرها، كلما تذكرت لوحتها الأولى.

حوار | لينا الحوراني Lina Alhorani
المدير الإبداعي | كوا حسنبور Kawa Hassanpour
من استديو فاكتوري للفن Art Factory Studio
تصوير | ديزي دياز Dizy Diaz
مكياج | غلوم أرزينجان Gulum Erzincan


علياء زعل لوتاه

      قميص بياقة عالية من ماريلا Marella
    شيلة من حصة الفلاسي Hessa Falasi
 


ولدت ابنة الإمارات في دبي، ودرست في جامعة الشارقة، وجامعة السوربون بأبوظبي، وتعمل في دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، فروحها تنتمي إلى أرجاء هذه الإمارات بتضاريسها، وعنها تقول: «تربيت في منطقة قريبة من الصحراء، كانت على أطراف المدينة في تلك الأيام، كانت نافذة غرفتي تطل على منظر صحراوي، كنت أرى النوق تمر أمام ناظري، وأسأل أختي ماذا يوجد وراء البيت، ها هناك بحر؟ كنت مولعة بالاكتشاف، أزور جدتي وجدي رحمهما الله في منطقة الرقة في دبي كل أسبوع، وأرى تجدداً سريعاً في العمران والتوسع، أذكر مرة أنني سألت أمي: «متى ستجهز دبي؟»، وإلى اليوم صرنا في اليوم الوطني الإماراتي 52 وما زلنا نرى التجديد والتطور، لا يتوقفان عند حد، وعندما تعمقت في رسم الطبيعة، جسدت في لوحاتي شجر الغاف، الذي كان يستهويني في حديقة «مشرف»، وبحر أبوظبي، وجزرها المختلفة، وشجر القرم، ورسمت أضواء شوارع دبي على رؤوس أشجار الغاف، في مجموعة، كما التقطت لها مئات الصور، كي أستمتع بأضواء المدينة بشكل مختلف.

بدأت علياء بدراسة تاريخ الفن العالمي، الذي ينتمي إلى منبعه في أوروبا، كان منهجاً من تأريخ ذكوري بحت، لكنها تعدّ نفسها محظوظة، لبدئها بدراسة الفنون الجميلة في جامعة الشارقة، تتابع قائلة: «أتذكر الدكتورة الأسترالية إليزابيث ستوني التي علمتني كيف أتعمق في تاريخ الفن، كانت عادلة في طرحها، ولم تكن تميل إلى الاكتفاء بالكتب المنهجية الجامعية، بل استعانت بكتب أخرى تتعمق في الفنون الإسلامية، وتاريخ الفن العربي الحديث، وغيرها من الفنون العالمية، وفتحت لنا آفاقاً جديدة ضمتها إلى ذلك التاريخ».

يمكنك متابعة اللقاء على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط لقاء مع علياء زعل لوتاه الفنانة التشكيلية


التقييم وصداقات الفنانين


استمدت علياء ثقافتها في تاريخ الفن، من الاطلاع والبحث المستمر عن الفنانين، وقد تطلب عملها التدوين الذي استمدته من السفر لاكتشاف المزيد من الأسماء، وقصص الفنانين التي يرددها أهل بلدانهم، مثل ذلك المعرض الذي زارته في الهند للفنانة أمريتا شير جيل، التي عاشت في مطلع القرن الماضي، وقد ساهمت الفنانة علياء لوتاه في تدوين أعمالها بالحديث عن إبداعاتها، وطرح فكرة شراء لوحاتها لضمها إلى متحف اللوفر في أبوظبي، الذي يجمع قصص فناني العالم من خلال مجموعتهم العالمية.

تتابع قائلة: «أقوم بدور التقييم الفني للوحات الفنانين المحليين والعالميين، وقد بدأت في هذا الاتجاه منذ عام 2008؛ حيث قمت بتقييم أعمال طلبة كلية الفنون بالشارقة، وبعدها في معارض مختلفة في الإمارات. أقوم بتقييم بعض المعارض الخاصة بالفن المعاصر من خلال انتقاء وتقييم أعمال أستند فيها إلى معارفي وصداقاتي مع الفنانين، التي لا تعتمد على نظرتي الخاصة إلى أعمالهم، بل أتابع سلسلة أفكارهم، وتطورهم الفني، سواء باتصالاتي الهاتفية معهم، أو زيارات مبنية على حوارات عفوية، أربطها لأصل إلى تقييمي الذي يفسح لي المجال العادل لاختيار اللوحات، التي سيتم عرضها، فالتقييم ليس مجرد نظرة، بل إلمام بحياة كاملة لفنان، مع أن بعض القيمين الآخرين يعتمد على ألوان أمور سطحية، لكنني أرى أن الفن أعمق مما نراه، وهي قصة الفنان؛ حيث أشعر بالعلاقة بين الأعمال جميعها، خصوصاً في العمل الجماعي؛ إذ يصادفنا أكثر من فنان يتحدث عن فكرة واحدة، كل من منظوره الخاص، أذكر أول معرض للفنانات الإماراتيات، في متحف المرأة في دبي الذي افتتحته الدكتورة رفيعة غباش، والذي كان لي الشرف أن أكون جزءاً من الفريق الذي عمل على تأسيس المتحف، وكان ينحصر في الفنانات الإماراتيات، وحول هذا تمحورت فكرة التقييم».


المصداقية تمنع التزييف

قميص وتنورة وحزام من لورو بيانا Loro Piana
بنطلون من فندي Fendi
عباءة وشيلة من حصة الفلاسي Hessa Falasi


يعتمد بعض المعارض على أكثر من مقيّم؛ ما قد يخلق اختلافاً في الأفكار تدور حوله نقاشات، لا تعدّه علياء تضارباً، بل سمة تمنح العمق للمعرض، وقدرة على اختيار لوحاته، وتحديد طريقة عرضها، والمصداقية هي أول شرط في اختيار مصدر لوحات الفنان، حتى لو كان متوفى، لتجنب تقديم أي تزييف للزوار، والطريقة المثلى لعرض اللوحات الأصلية هي الاعتماد على نشرها المسبق في الكتب أو المعارض.

تابعي معنا لقاء خاص مع الفنانة التشكيلية القطرية لينا العالي


روعة الذاكرة البصرية


التحقت علياء ببرنامج الإقامة الفنية؛ حيث سكنت في منزل الفنان كلود مونيه في فيثويل، بفرنسا، الذي أقام فيه لمدة ثلاث سنوات، وعمل خلالها على لوحات في غاية الأهمية، البيت تحول إلى متحف، لم يغيروا الكثير ليحافظوا على لمسات الفنان فيه.

تستدرك علياء: «هي أشياء صغيرة حافظت على روح الفنان، ونظرته إلى الفن والألوان والضوء، جعلت تجربتي خيالية، وأعادتني إلى القرن التاسع عشر، الزمن الذي عاش فيه الفنان، وفي مدينة فيثويل بالذات؛ حيث لكل موسم طابعه الخاص؛ إذ كان فناناً انطباعياً يهتم باللون والضوء. بلور برنامج الإقامة الفنية قدرتي على الاختيار، خلال عملي بصفتي مقيّمة في متحف اللوفر أبوظبي، وأكثر من معرض آخر، وأشكر صديقتي أوسيان سيئي التي جمعني معها حب تاريخ الفن، وتقييم المعارض، وهي من خلال الغاليري الخاص بها «هنّ» تقدم فيه لفنانات من الخليج، وهي من أعطتني هذه الفرصة للإقامة في هذا البرنامج، وهناك تعرفت إلى الحرفيين المقيمين في المنطقة، وعقدت صداقات عمل معهم، وتعرفت إلى حياة مونيه، ورأيت ملامح المناطق التي لم تتغير، والتي نقلها في لوحاته، وتلك البيوت والطبيعة. كنت أعيش يومي وأنا أراقب طلوع الشمس وغروبها، وتغير الإضاءة في المكان، وأعود لأرسم ما التقطته ذاكرتي.

 

"من خلال المعارض أحاول الالتقاء بفنانات، للتعرف إلى تاريخهن الفني، ونسخ هذه اللقاءات في كتب أو منشورات يمكن الرجوع إليها لاحقاً"

 


عملي مع «لويس فويتون»

عباءة وشيلة من موزان Mauzan


علياء حائزة على وسام الفنون والآداب الفخري من الحكومة الفرنسية فئة «فارس الفن» في عام 2023، بحكم التواصل معها من خلال عملها في متحف اللوفر بأبوظبي، والاطلاع مع شراكاتها الفنية، وتواصلها مع المصانع العريقة في فرنسا، من خلال البرنامج الإماراتي الفرنسي، الذي تم إطلاقه في بداية افتتاح متحف اللوفر، إضافة إلى شراكاتها مع فنانين فرنسيين، وعملها مع «لويس فويتون»، وعرض إبداعاتها على منتجات صناديقها. كما أن الإقامة الفنية في منزل الفنان مونيه، وبحثها القيم الذي خرجت به، وأعمالها مع باحثات فرنسيات، ودراستها في جامعة السوربون في أبوظبي، وإكمال دراستها في جامعة فرنسية، كلها أسباب عرفت بشخصيتها وفنها، ورشحتها كي تكون «فارس الفن» في عام 2023. تنظر علياء إلى اللوفر في أبوظبي، ككل المتاحف، في تطور وتجديد دائمين، لمجموعاته الفنية التي تحكي وتتابع قصص الفنانين في العالم، فهو متحف عالمي بأجنحة مختصرة ومتجددة، تستدرك: «في عملي مع اللوفر كنت محظوظة؛ لأنها كانت فترة اقتناء القطع الفنية، لبناء المجموعة، كما لجأنا إلى فكرة الإعارات من المتاحف الأخرى، التي تعرض في متحف اللوفر أبوظبي. لم يكن باستطاعتنا شراء أي قطعة فنية قبل سنين من البحث، لذلك كانت الخيارات المتنوعة هي عنواننا».


التأريخ للفنانات الإماراتيات


من خلال المعارض التي تعمل عليها علياء، تحاول الالتقاء بفنانات، للتعرف إلى تاريخهن الفني، ونسخ هذه اللقاءات في كتب أو منشورات يمكن الرجوع إليها لاحقاً. وتثمن دور المؤسسات والمتاحف الفنية التي تقوم بهذا العمل. وتشير إلى أن الدكتورة رفيعة غباش، والدكتورة مريم سلطان لوتاه، عملتا على موسوعة المرأة الإماراتية التي احتوت على فنانات في الإمارات. وتأمل علياء قدوم مبادرات في السنوات القادمة، تكمل تأريخ السنوات الماضية، بطريقة تشمل بحثاً أكثر عمقاً، تعلّق: «لولا وجود البدايات لما كان هناك استمرار».

ترغب علياء في تأليف كتاب شامل عن الفن التشكيلي في الإمارات، وسيكون لها عمل مستقبلي بهذا القدر.

ومن عالم الفن التشكيلي اخترنا لك لقاء مع التشكيلية الكويتية لينا حجازي


مفهوم «الفن العام»


تحت شعار «سكون الضوء»، قامت علياء زعل لوتاه والقيّمة ريم فضة بإطلاق معرض «منار أبوظبي»، الذي يضم 21 فناناً محلياً وإقليمياً وعالمياً، ويشمل أعمالاً فنية متنوعة تحت مظلة «الفن العام». ويعدّ هذا المعرض الأول من نوعه في أبوظبي، وتقع الأعمال الفنية في 7 مواقع في العاصمة، منها: جزيرة اللؤلؤ، وجزيرة السمالية، وجزيرة السعديات، وجزيرة فاهد، والكورنيش، وغيرها من المواقع. وهو تابع لدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، وقد التحقت بهذا البرنامج منذ أكثر من عام، وعنه تشرح: «الفن العام يعني أن تكون الأعمال الفنية في الأماكن العامة، في الشوارع والحدائق، وقد اخترنا له هذا العام عنوان: «سكون الضوء»، وعادة ما تكون الأضواء احتفالية، لكننا أحببنا أن نعطي الزوار فرصة لرؤية أبوظبي من منظور مختلف عبر جزرها، مثلاً وضعنا أعمالاً فنية في جزيرة اللؤلؤ تحاكي الإنسان وعلاقته بالطبيعة، فمثلاً شارك الفنان الإماراتي جميري في عمل ضوئي على أطراف البحر في جزيرة اللؤلؤ، مترافقاً مع أصوات تعبيرية تجسد عملاً فنياً صوتياً ومرئياً يفسح المجال للزائر أن يرى تلألؤ الشاطئ فيخرج النور مع تحرك الموج، هذا العمل الفني مدعاة للفخر بهذا الفنان الإماراتي».


مهمتنا وبناء الدولة

                       عباءة وشيلة من حصة الفلاسي Hessa Falasi


بعد مرور 52 سنة على الاتحاد، برزت شخصيات نسائية قوية عالمياً، كما تصفها علياء، وقد تذكرت الوزيرة نورة الكعبي، عندما كانت في منصب وزيرة الثقافة، كان لها بصمة لا مثيل لها، امتزجت بحسها الفني، وقدرتها العالية على التعامل مع الفنانين، وكذلك الشيخة لطيفة بنت مكتوم، مؤسسة ومديرة «تشكيل»، وهو مركز للفنون والتصميم المعاصر، وأعدها جوهرة في دعم الفن والفنانين، وكذلك الشيخة حور القاسمي، فكم بينالي عملت عليه، الكثيرون تعرفوا إلى الإمارات من خلال بينالي الشارقة، وسيدة الأعمال منى القرق، التي كرست جزءاً كبيراً من وقتها لاقتناء أعمال الفنانين ودعمهم. حتى على مجال الفنانين، تحضرني الفنانة لطيفة سعيد التي كرست فنها لخدمة البيئة والاستدامة، التي لا تبدع فنها من خلال المواد التي تحكي تاريخ البيئة الإماراتية، فقد استخدمت الرمل وخوص النخل فحسب، بل وصلت إلى مستوى فكري وتكنولوجي في تطوير الإنتاج الفني. الإماراتية معطاءة لأنها تشارك في بناء الدولة، لترد ولو جزءاً مما غمرتها به، من علم وفضل ومستقبل عالمي يروى عنه.


بيئتي الخاصة


وجود علياء، التي تعشق اللون الأزرق والبحر بكل تقلبات أمواجه ومزاجيته، في بيئتها الخاصة، وفي مكان اعتادت عليه أن تشرب قهوتها في حديقة بيتهم مع أمها وأبيها، ليملؤوا المكان بأحاديثهم العائلية، ثم الوليمة الكبرى التي تجمع أفراد الأسرة كل سبت، وحتى الذهاب مع شقيقاتها لشراء الأقمشة من أسواق دبي القديمة، تستدرك قائلة: «كل هذه التفاصيل تعني لي يوماً مثالياً في دبي، تحفز ريشتي حتى بتصاميم بيوتها، وطريقة دخول الضوء لتنعكس على جلسات الناس فيها.

ومن عالم الفن والإبداع تابعي اللقاء مع التشكيلية السعودية ميساء سليمان