هل سأموت؟ قصة فتاة شابة مع سرطان الثدي

 تشخيص الإصابة بسرطان الثدي بعد فحوصات طبية دقيقة
تشخيص الإصابة بسرطان الثدي بعد فحوصات طبية دقيقة. المصدر: freepik
تقبل الواقع بعد مواجهة صعوبات التعافي من سرطان الثدي
تقبل الواقع بعد مواجهة صعوبات التعافي من سرطان الثدي. المصدر: freepik
الصدمة الأولى بعد تلقي خبر الإصابة بسرطان الثدي
الصدمة الأولى بعد تلقي خبر الإصابة بسرطان الثدي. المصدر: freepik
الشعور بالضيق والخوف بعد ظهور علامات الإصابة
الشعور بالضيق والخوف بعد ظهور علامات الإصابة. المصدر: freepik
 تشخيص الإصابة بسرطان الثدي بعد فحوصات طبية دقيقة
تقبل الواقع بعد مواجهة صعوبات التعافي من سرطان الثدي
الصدمة الأولى بعد تلقي خبر الإصابة بسرطان الثدي
الشعور بالضيق والخوف بعد ظهور علامات الإصابة
4 صور

بدأت قصتي في وقت كنت أُقبل فيه على الحياة بكل عنفوان وأمل وسعادة. لم أتوقع أن السنة التي سأتخرج فيها من الجامعة الأردنية ستكون بداية صراعي مع الموت، كنت مازلت شابة في السادس والعشرين من عمري عندما أيقنت أني سأعيش ما تبقى من حياة مع سؤال لا أعرف إجابته: هل سأموت؟

مازلت أتذكر تلك اللحظة في عام 2019 حينما كنت أمارس طقوس حياتي كفتاة عادية تتحضر لحضور مناسبة زفاف أحد الأقارب. أثناء ذلك تلمست في جسدي كتلة صغيرة لم أُعرها أي اهتمام، فقد كنت منشغلة بحماس التحضيرات لذهاب إلى حفلة الزفاف.
بعد مرور بضعة أشهر. شعرت بأن الكتلة في الثدي الأيسر قد زاد حجمها. بقلق وخطوات مسرعة ذهبت إلى والدتي أخبرها بذلك كي نراجع الطبيب في المستشفى، وهنا بدأت حكايتي أنا (لميس.س).
لميس التي اكتفينا بالاشارة إليها باسمها والحرف الأول من اسم عائلتها، تحدثت إلى "سيدتي" بثقة وعزيمة، وأمل بأن قصتها ستكون درساً وأملاً لكثير من الشابات المصابات بسرطان الثدي لكي لا يفقدن البوصلة ويخضن معركتهن بشجاعة ويواجهن الواقع ويعدن للاندماج بالمجتمع وينفتحن على الحياة من جديد. وتتابع لميس قصتها..

الصراع مع سرطان الثدي.

الصدمة الأولى بعد تلقي خبر الإصابة بسرطان الثدي. المصدر: freepik


في طريقي إلى العيادة فكرت في الكثير من السيناريوهات المحتملة والتي من الممكن أن يخبرني بها الطبيب المسؤول عن تشخيص حالتي. توقعت ساخرة من نفسي أني قد أكون مصابة بالسرطان، لكنني سرعان ما ابتسمت وقلت في داخلي: مازلتُ صغيرة.
بضع دقائق من الانتظار تأكدت فيها بأن أفكاري أصغر من أن يتجاوزني هذا المرض الخبيث. في تلك اللحظة فقط، تأكدت بأنني مصابة بسرطان الثدي وبأنني لم أعد صغيرة أمام فكرة المرض والموت وحتى أمام مبضع الجراح الذي سيشق فيه جسدي كي يأخذ عضوًا مني.
كانت الخيارات محدودة أمامي، كنت أشاهد نفسي أشلاءً مبعثرة تتساقط في كل خطوة يتطور فيها المرض وأستسلم فيه أمام خطة العلاج الكيماوي. كنت أعيش حالة من الصدمة والذهول. أعتزلت جميع صديقاتي والأقارب، وأصبح الصراخ في غرفتي وفوق وسادتي الملاذ الوحيد للنجاة. كنت أصرخ كالغريق: من أخبركم بأنني أريد أن أموت، مازلت صغيرة.. لا أريد. كيف أصبحت مشوهة الجسد، ماذا فعلتم بي؟
كانت هذه الكلمات كل ما أتذكره في المرة الأولى بعد أن شاهدت جسدي مشوهًا وقد فقد أحد أعضائه من أجل أن ينجو باقي الجسد المشوه أيضًا بعد الآن.
كنت أنهار بشكل سريع أمام تلك الأفكار التي تغزو مخيلتي. وكان الاستسلام طريقًا مريحًا بالنسبة لي، فماذا تريد فتاة من الحياة بعد أن أصفرت بشرتها وشحب وجهها كعجوز طاعنة بالسن قد خسرت شعرها، حاجبيها وحتى لون أظافرها قد تبدل ومال إلى الأسوداد.

رحلة الشفاء والتعافي من الصدمة.

الشعور بالضيق والخوف بعد ظهور علامات الإصابة. المصدر: freepik


كنت أخاف النظر إلى نفسي في المرآة، كنت أتجنب الخروج من غرفتي أو لقاء أحد أفراد عائلتي. بدأت أكره الحياة بعد أن أستل المرض مني كل ما كنت أمتلكه. لقد كانت رحلة العلاج الكيماوي لتدمير تلك الخلايا الخبيثة التي تسكن جسدي الصغير، قصة رحلة مأساوية طويلة.
كلمة سمعتها من نافذة غرفتي جعلتني أنظر إلى نفسي في المرآة بعد أن كرهت النظر إلى جسدي، ورغم أنني قتلت كل صدفة يمكن أن تجمعني بصورتي المشوهة أمام المرآة، وجدت في نفسي القوة بعد الآن بالتلصص على جسدي الضعيف لوحدي.كنت على حافة من اللاشيء حتى سمعت حينها صوت من بعيد ينادي: الله أكبر، الله أكبر.. حي على الصلاة.
عندها جلست في اعتدال فوق حافة السرير وبدأت أتحسس رأسي الفارغ من الشعر، بدأت أتلمس موضع جلدي، كنت مازلت لا استطيع أن استخدم مستحضرات العناية بالبشرة كسائر الفتيات بسبب تحسس الجلد السريع وتهيجه. في أول مرة خفت ورفعت رأسي إلى الله وقلت: أرجوك يا الله.. أرجوك، وبكيت.
كانت والدتي تبكي خلف الباب بالخفاء. سمعتُ صوتها تتنهد وتكتم أنفاسها بيد وتسند رأسها بالأخرى إلى أن أنهار جسدها على الأرض وما عادت قدمها تقوى على حملها. حبوت إليها كغريق يتعلق بحبل نجاته، وضعت رأسي أسفل قدميها وقلت لها: أرجوك يا أمي..تعبت، أريد أن أعود كما كنت.
اقرئي المزيد حول هذه الموضوع: كيف تم اختيار اللون الوردي لون شهر أكتوبر للتوعية بسرطان الثدي؟

قوة العائلة في الشفاء وترميم الروح.

العائلة، كلمة صغيرة قادرة على ترميم كل ما فقدته في حياتك. استطاعت أختي الصغيرة "نغم" وأخي الكبير "عماد" بمساعدة أبي وأمي أن يأخدوا بيدي من جديد إلى الحياة. كنت خائفة من نظراتهم الفضولية إلى جسدي ورأسي الذي ما عاد يكسوه الشعر.
في أول لقاء جمعنا على مأدبة الغداء، كنت أتفحص وجه أبي وأخي "عماد"، كنت أرتعد خوفًا من رؤية الشفقة في نظراتهم. لكن الأمر كان أخف وطأة مما كنت أتخيل. كنت ما أزال الأخت التي تشاكس الصغيرة "نغم" لاختيار كرسي الطعام، ومازال أخي "عماد" يحاول أن يُلقي بكلماته المستفزة كي نتعارك على أبسط الأمور المشتركة في البيت، وكان أبي كعادته يضحك لعراكنا وأصواتنا العالية في الخفاء ويتصنع الغضب أمامنا كي نكف عن فعل ذلك على طاولة الطعام.
أما أمي.. فكانت ذلك الظهر الذي لا ينحني ولا ينكسر أبدًا. كنت أنظر إليها خلسة وأنا أجلس على الطاولة. فأجدها مبتسمة تنظر إلى الجميع بهدوء تام، وكأنها تجمعنا في عيونها خوف أن تفقدنا.

رحلة العودة إلى الحياة.

تقبل الواقع بعد مواجهة صعوبات التعافي من سرطان الثدي. المصدر: freepik


أن تتقبلك عائلتك بصورتك الضعيفة، المحطمة، البائسة والمشوهة من وجهة نظري. فذلك يعني أن تكون نسخة قوية، صلبة، أن تكون ناحجًا وأكثر قابلية لاستعادة حياتك. لم أكن أمتلك القدرة على خوض غمار تجربة عملية الترميم للموضع الذي فقدته من جسدي دون دعم عائلتي ماديًا ونفسيًا.
بعد الشفاء من العملية كنت قادرة على التنفس من جديد. وكأن الله قد وهبني فرصة ثانية للحياة. كنت من وجهة نظر الكثيرين؛ أقارب وأصدقاء: المرشحة الأقوى للموت.

الفحص المستمر طوق نجاة للمصابين في سرطان الثدي

كما كانت عائلتي طوق النجاة بالنسبة لي، قررت أنا أيضا أن أكون طوق نجاة إلى شخص آخر قد يحتاجني في لحظات ضعفه وأثناء مواجهته لسرطان الثدي. بدأت بزيارة جمعية لدعم النساء اللواتي مررنا في نفس التجربة وعانينا من سرطان الثدي. أردت تقديم الدعم النفسي والمشورة والنصيحة. وأن الحياة لا تتوقف، علينا فقط أن نكون أقوياء وقادرات على المواجهة.
ملخص تجربتي: سرطان الثدي آفة قد تواجهينها وأنت صغيرة بالعمر أيضًا، لذلك لا تغامري في حياتك وبادري بالفحص.
المزيد من المعلومات في: أطعمة تحارب سرطان الثدي.. لا تتخلي عنها على الإطلاق