المرشدات الدينيات في المغرب ...مع الإرشاد لا الإفتاء

شدت الواعظات والمرشدات الدينيات بالمغرب الانتباه إليهن بتجولهن في المدن، وبتواصلهن مع مختلف شرائح المجتمع. ومن أجل التواصل الفعال مع جمهورهن أطلقن موقعًا إلكترونيًا على شبكة الإنترنت؛ لتبليغ الخطاب التنويري الهادئ والباني، وهو ما أدى -من ضمن مجهودات أخرى- إلى الإشادة الدولية بتجربتهن في تبليغ الدين الوسطي والمعتدل لعموم أفراد الشعب المغربي، حيث تمت استضافة عدد منهن على قنوات أجنبية للتعريف بالتجربة الرائدة في الحقل الديني المغربي.

ويراهن القيّمون على الشأن الديني على هؤلاء المرشدات اللواتي تخرجن في معهد خاص، وتلقين دروسًا متنوعة لنشر الفكر المتنور والاعتدال في السلوك الاجتماعي، وتغيير طريقة تفكير الناس خلال التعامل مع الأزمات الأسرية، وتفقيههم في الدين.

تقول ليلى تويراس، مرشدة دينية بمدينة الدار البيضاء: إن للإرشاد الديني الذي يمارسنه صورة أخرى تتمثل في الشق الاجتماعي، حيث تساهم المرشدة في النشاط الثقافي والاجتماعي للمساجد، وكذا المؤسسات التعليمية، ودور العجزة، والسجون وغيرها، أضف إلى ذلك إصلاح ذات البين بين الأفراد في حالة طُلِب منها ذلك، دون إغفال مساهمتها في الحفاظ على نظام المسجد، وحمايته من كل نشاط خارج الإطار الديني، مع الحفاظ على الوحدة الدينية للمجتمع، وتماسكه ضمن ثوابت الأمة.

بدورها اعتبرت خديجة مكاوي، واعظة بالرباط، أن الوعظ والإرشاد الديني هو وسيلة للنفاذ إلى القلوب؛ لتنتقل من حالة الغفلة إلى حالة الذكرى، وهو زجر مقترن بالتخويف لهداية الضال إلى الطريق المستقيم، وهو وسيلة لتقوية العاطفة الإيمانية عند الناس، ووظيفة ربانية تساهم في حركة التدين لدى المسلم.

 

لا للإفتاء

أما سعاد أبركان، واعظة بالرباط، فأكدت أن الواعظة والمرشدة لا تتجرأ على الإفتاء باعتبارها قضية كبرى لها مؤسساتها، ورجالها، ونساؤها الذين تتوفر فيهم الكفاءة العلمية الكافية للترجيح، ومراعاة مصالح الناس، وقياس كل حالة، وإسقاط الحكم الشرعي عليها بما يتناسب معها، فهذا هو الحد الذي تقف عنده الواعظات والمرشدات، إلا ما كان موقفًا شرعيًا، أو حكمًا شرعيًا عامًا واضحًا، وليس خاصًا يستدعي الاجتهاد، وإعمال كل الشروط المؤهلة للإفتاء.

 ولسد الفراغ في هذا الباب فقد فتحت المجالس العلمية أبوابها في وجه المواطنين للإجابة عن تساؤلاتهم، وإفتائهم في مشكلاتهم طوال أيام الأسبوع، وانتدبت لذلك علماء، وفقهاء، وعالمات، وفقيهات للقيام بهذا الدور.

هذه المهام وغيرها تطرح تساؤلاً حول حدود عمل المرشدات اللواتي بهرن المجتمع المغربي بقدرتهن على النفاذ إلى قلوب النساء والرجال، والاستجابة لحاجيات المجتمع الخاصة بالمسائل الدينية.

ليلى تويراس، المرشدة الدينية بمدينة الدار البيضاء، تؤكد أن حدود الإرشاد الديني للمرشدة تقف عند تعليم وتبليغ أحكام الدين، ولا تتعداه أبدًا إلى الفتوى؛ لأن هذه الأخيرة مسؤولية دينية شرعية يتصدى لها العلماء المؤهلون لممارستها.

وقد وكل أمر الفتوى في بلدنا، تنظيمًا وضبطًا، إلى مؤسسة المجلس العلمي الأعلى التي تحال عليها المسائل، والنوازل المستجدة.

أما خديجة مكاوي، فتعتبر أن حدود الإرشاد الديني تكمن في الالتزام بالثوابت المجمع عليها، والالتزام بالقانون، وبالدفاع عن إمارة المؤمنين الضامنة لحماية الدين الإسلامي، وعدم الإفتاء.

وتبدو سعاد أبركان -نوعًا ما- متفائلة في قدرة المرشدات والواعظات على الاستجابة لمتطلبات العصر، وللقضايا التي تطرح عليهن، حيث تقول: إن حدود الوعظ والإرشاد لا تتوقف عند مواضيع معينة، بل تتعداها إلى كل ما يحتاجه الناس، ويريدون معرفته فيما يخص أمور دينهم ودنياهم.

 

 التكوين أولاً وأخيرًا

ولم تختلف كل المرشدات اللواتي تحدثنا إليهن في التأكيد على أنه من أجل نجاح مهام المرشدات الدينيات يجب أن يتوفرن على تكوين لا ينبغي أن يكون أقل من الإجازة في تخصصات معينة.

وتؤكد سعاد أبركان: إننا نجد في صفوفهن الطبيبات، والمهندسات، والأستاذات الجامعيات، كما يمكن أن نجد فيهن الحاصلة فقط على التعليم الثانوي وغيره؛ إذ تظل الكفاءة العلمية المواكبة للخبرة والاتزان في الطرح والاستيعاب الجيد لمنهج الإسلام الوسطي في التغيير.

وفي المغرب ولجت النساء باب الوعظ والإرشاد، فكانت منهن الواعظات المرشدات اللواتي اشترطت فيهن الجهات المختصة بتنظيم هذا المجال مجموعة من المؤهلات، أهمها العناية بكتاب الله تعالى تلاوة وحفظًا وفهمًا وتطبيقًا، وكذا الخضوع لتكوين خاص مدته سنة بالنسبة للمرشدات، مع تحقيق شرط حصولهن على الشهادة الجامعية، إضافة إلى حسن الأسوة، وأن تكون قدوة في مجتمعها، بعيدة عن الرياء والنفاق، الذي يستوجب ذم الله ومقته.

وأضافت: إن كل ذلك يتأتى بحسن الصلة بالله، والتكوين المستمر في العلوم الشرعية، والسيرة النبوية، وتاريخ الإسلام، وكل ما يتعلق بالثقافة المغربية، واكتساب مهارات التواصل الجيد مع الناس، وحسن الإعداد للدروس والمواعظ، مع حسن العرض والإلقاء بما يتناسب مع مستوى المتلقي والفئة المستهدفة، ومراعاة التدرج في الخطاب والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.

وهو ما ذهبت إليه ليلى تويراس، التي أبرزت أنهن يخضعن لتكوين مهم بعد ولوجهن مركز تكوين المرشدين والمرشدات، الذي يشترط فيه الحصول على شهادة الإجازة في أي شعبة أو تخصص مع درجة التفوق في السنوات الجامعية، وحفظ النصف من القرآن الكريم، مشيرة إلى أن برنامج التكوين بعد اجتياز الامتحانات يشمل بالدرجة الأولى العلوم الشرعية كعلم الحديث، والأصول، والمقاصد، والفقه (21 مادة) وعلوم أخرى كالتواصل، والتاريخ، وعلم الاجتماع. وقد أنيطت مهمة التكوين والتدريب لثلة من العلماء والأساتذة الأكفاء.

من جهتها، خلصت سعاد أبركان، الواعظة والمرشدة بالعاصمة الرباط، في حديثها لـ«سيدتي» إلى أن مهمة الوعظ والإرشاد من أسمى المهام وأجلها، فقد كانت عبر سائر الأزمان والعصور مهمة الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله سبحانه وتعالى لهداية الناس، وإرشادهم إلى طريق الحق والخير والعيش وفق منهج الله الذي ارتضاه لعباده؛ كي يعيشوا في سعادة الدنيا قبل سعادة الآخرة.