الخيال والواقع

 

الخيال والواقع

 

سيدتي أنا فتاة عمري 16 سنة، اعترتني مؤخرًا مشكلة غيرت حياتي، وقلبت نفسيتي وسعادتي، أصبحت حياتي دموعًا على سجادتي، تائهة، لا أجد من أبكي له، أستحي أن أصارح أحدًا من عائلتي بما أشعر به.

أنا أحببت منشدًا.

هو أردني، وأنا خليجية.  أحببته حبًا كبيرًا، وعانيت وقاسيت من اشتياقي له، وكم بكيت، وكم حزنت، وكم مرَّت ليال عليّ وأنا في غرفتي أبكي.

أصبحت أشاهد القناة التي يظهر فيها ليلاً ونهارًا حتى انقلبت حياتي من جميع النواحي؛ أصبحت منطوية في مدرستي لا أتكلم مع أحد لدرجة أن زميلاتي في المدرسة يتساءلن عن حالتي والمعلمات أيضًا، أحس بأني لا أريد شيئًا من حياتي إلا رضا الله ووالديّ وإخوتي، وأريد من أحببت زوجًا لي.

 والدتي تزعل كثيرًا حين تراني جالسة لمشاهدة القناة ليلاً ونهارًا وسمات الحزن على وجهي، بعدما كنت أعيش مبتسمة وسط أهلي، وأمسح دمعة الحزين ببراءة.

 ساعديني جزاك الله خيرًا، وآسفة على التطويل.. لكن والله أكتب لك وقلبي يعتصر ألمًا.. تائهة.. لا أعرف لي طريقاً في حياتي.

 

الحزينة ريم

 

 

 

عزيزتي الصورة التي ارتسمت في خيالك لهذا الإنسان هي صورة غير مكتملة؛ لأنها جزء من كل، فأنت تشاهدينه في موقف واحد أثناء تأدية عمله، ترينه لمدة ساعة، ولا تعرفين شيئًا عن حياته أثناء الساعات الثلاث والعشرين من كل يوم، تعرفين أنه أردني الجنسية ولكنك لا تعرفين إن كان متزوجًا أم لا، ولا تعرفين شيئًا عن وضعه الأسري، ولا تعرفين شيئًا عن طباعه في الحياة اليومية، ولا تعرفين أنه لو رآك سوف يبادلك إعجابًا بإعجاب أم لا، ولا تعرفين إن كان راغبًا في الزواج أم لا، كل تلك اللاءات تجعل توقعاتك غير واقعية وغير صحيحة؛ لأنها بنيت على خيال صرف.

لا تستحي من مكنوناتك لأنها جزء من رحلة التعلم على طريق النضج، ولكن ما يجب أن تحترسي منه هو أن تتحول الخيالات الحلوة إلى هوس وهاجس يعرقلان نموك النفسي، ونشاطك الاجتماعي.

إن رسالتك لي تدل على أنك راغبة في التخلص من هذا العبء النفسي، وأول خطوة على طريق الشفاء منه هو فهم ما جرى لك؛ في مثل عمرك تتفتح الرغبة في اكتمال الحياة بالعثور على شريك، إنها المحاولات الأولى مثل محاولات الطفل أن يتعلم المشي والكلام، في البداية أدواته الذهنية تسبق قدراته على ترجمة المهارة الذهنية إلى كلمات مفهومة، فتخرج الكلمات مضحكة أو مبتورة لفترة، ثم يصبح الكلام سليمًا، وكذلك الخطوات الأولى في المشي يتعثر وربما يقع الطفل، ولكن حين يخطو الخطوة الأولى بنجاح يتهلل فرحًا.

ما تحبين في المنشد الأردني هو صورة وإحساس بأن الإنشاد يدل على روحانية محببة، ولكني أذكرك بأنها موهبة يوظفها صاحبها في العمل لكسب العيش، وأن كلاً منَّا عنده فرصة للتقرب إلى الله بطريقته الخاصة، إما بالصلاة أو الدعاء أو قراءة القرآن إن لم يكن ذا صوت رخيم.

إن كنت حقًا راغبة في الخروج من الأزمة، خصصي من كل يوم ساعة واحدة في البداية بعيدًا عن القناة المذكورة، ساعة واحدة خصصيها إما للخروج مع والدتك، أو للحديث مع إحدى صديقاتك، أو لقراءة كتاب أو مجلة مفضلة، أو لكتابة خواطرك، بعد عدة أسابيع اجعلي الساعة الواحدة ساعتين، تدريجيًا سوف تتسع دائرة اهتماماتك وتخرجين من العزلة، سوف تكتشفين أن اختيار الزوج في الواقع أمتع بكثير من اختيار صورة على شاشة التليفزيون.

 

 

 

السر الدفين

 

سيدتي أرجو أن أجد لديك نصيحة في مشكلتي، كانت لي شقيقة تكبرني بثمان سنوات، تزوجت، وأنجبت صبيًا بلغ السابعة من عمره، ثم أصيبت بمرض، وهي في الثامنة والعشرين، وتوفيت، ولأننا كنا نعرف زوجها.. وبعد تفكير طويل.. قبلت زواجه، وربيت ابن أختي، ورزقني الله بصبي آخر بلغ الآن التاسعة من عمره، المشكلة هي أن ولدي يسألني أحيانًا: كيف يكون لي صبي في التاسعة عشرة (هو في الواقع ابن أختي المتوفاة) وأنا مازلت في الثانية والثلاثين، أسئلته تقلقني، ولا أعلم إن كان الصواب هو أن أخبره بحقيقة العلاقات الأسرية التي تجمعنا أم أتركه ليكتشف الأمر حين يكبر، وإن اكتشفه فجأة هل تتأثر حياته وعلاقته بي، أنا على استعداد للإجابة على أية أسئلة إن كانت لديك أسئلة أخرى، ولكني أتمنى أن تفيديني بنصيحة.

المخلصة أم البنين.

 

 

عزيزتي أنت لم ترتكبي مخالفة تدعوك للكتمان، والموقف الذي وصفت يتكرر كثيرًا في المجتمع؛ لأن الخالة والدة، واحتضانك لابن أختك المتوفاة كان أمرًا طبيعيًا، ولك عند الله حسن الجزاء، ولاشك أن ابن أختك يعلم أنك خالته لا أمه؛ لأنه كان في السابعة، وفي سن السابعة يدرك الطفل حقيقة الأمور، وإن كانت العلاقة بينه وبين ولدك علاقة طيبة وبحكم أنه الأكبر سنًا يمكنه أن يفضي بالأمر إلى ابنك تدريجيًا، والحقيقة هي أنني أفضل أن يكون الحديث في الأمر جماعيًا.. أي في وجود الأب؛ لأنه والد الصبيين، وفي حضورك وفي حضورهما؛ لأنكم أسرة واحدة، ويمكنك الإعداد لتلك المصارحة بجمع كل ما يمكن جمعه من صور وذكريات عن أختك المتوفاة؛ لكي يطلع عليها ولدها وولدك في نفس الوقت وكأنها ظلت جزءًا من حياتكم يعتز به.

لا أعتقد أنها ستكون صدمة لولدك كما تتوقعين، نحن لا نقدر قدرة الأطفال على تقبل الحقائق، الطفل سريع التكيف، ولكن اكتشافه لأمور كانت تحجب عنه عن عمد يشعره بعدم الأمان وعدم الاطمئنان ويفقده الثقة بوالديه، تذكري دائمًا أنك لم ترتكبي إثمًا وإنما فضلت أن تخبري ولدك بالحقيقة في الوقت المناسب، أتمنى لك التوفيق.