كيف تعالجين آثار صدمة طفلك النفسية؟


الصدمة تأثّر نفسي شديد يتجاوز القدرة على التحمّل ويصعّب العودة إلى حال التوازن بدون آثار، وقد تصاحبها حالات من "الفوبيا" المزمنة من الأحداث أو الأشخاص أو الأشياء التي تترافق مع وقوعها.  وبالطبع، تسبّب الصدمة التي قد يتعرّض لها الطفل عدداً من المشكلات النفسيّة في الكبر، حيث أظهرت الأبحاث أن ما بين %14 إلى %43 من الأطفال يمرّون بتجربة واحدة على الأقل من الصدمات النفسية في حياتهم.

الإختصاصية في علم النفس سوزان عبد الواحد تشرح لقارئات "سيدتي" آثار ومترتبات الصدمة النفسية على الأطفال.

 

 

تعد أشدّ الصدمات أثراً تلك التي تهدّد الحياة بالخطر وتجعل الطفل في مواجهة مباشرة أمام الموت أو تعرّضه لإصابات جسدية، كالحوادث أو التحرّش أو الخطف أو العمليات الجراحية...

وللكوارث الطبيعيّة أثر، على غرار الزلازل والبراكين والأعاصير والسيول، فكلّها تعتبر مفاجآت خارقة للعادة تمتزج فيها الصدمة مع الدهشة. وتحتلّ الحروب رأس لائحة كل هذه الأحداث المسبّبة للصدمات النفسية عند الأطفال، لما تحمله من ويلات وموت ودمار. وفي المقابل، ثمّة أسباب أخرى للصدمة لا تندرج تحت قائمة الأحداث العنيفة، وتشمل: التعرّض للإهمال من جانب الأسرة أو مشاهدة القتل في التلفاز أو مهاجمة  حيوان أو حشرة.

 

فئات عمرية

ويختلف ردّ فعل الطفل تجاه الصدمات وفقاً لعمره، وذلك وفق الشكل التالي:

> حتى عمر 5 سنوات: يتجلّى تأثيرها على صورة تصرّفات أصغر من عمره يقترفها، ومن الممكن أن يفقد خبرات اكتسبها سابقاً بسبب تأثّره بها، فيتبوّل لاإرادياً وقد تنتابه حالات خوف من الآخرين أو الحيوانات أو الأماكن.

وفي حال مشاهدته لحالات وفاة أشخاص مقرّبين منه (الجد أو الجدة أو الأب أو الأم أو الإخوة) فإنه من الممكن أن يصاب بصدمة عصبية قد تؤثر على قدراته العقلية.

> في المرحلة المتراوحة بين عمر 6 و10 سنوات: يمكن أن تختلط عليه ذكريات أحداث الصدمة النفسية عند محاولته استرجاعها، وقد يشكو من بعض الآلام الجسدية التي تغيب عنها الأسباب الطبية، كما قد يبدو مشتّت الفكر.

> في سنّ المراهقة: يمكن أن تخطر له أفكار وتصوّرات مزعجة وغير مرغوبة من الحادثة، كما تتّسم تصرفاته بالعدوانية، فيقوم برد فعل سريع بدون التفكير في عواقبه، كأن يلجأ للإنحراف محاولة منه لتحسين حاله النفسية أو أنه قد يشعر بالإكتئاب الذي تصاحبه فكرة الإنتحار!

 

العوارض:

وبشكل عام، يمكن تلخيص تصرّفات الطفل الذي يعاني من آثار الصدمة النفسيّة وفق الشكل التالي:

 تنتابه حالات من البكاء والعنف والغضب والصراخ  غير المبرر.

 تتّســم ردود فعلــــه باللامبالاة، فيتجنّب المواجهة ويفضّل الإنزواء.

 يقوم بحركة مفرطة غير اعتيادية.

 تمتلئ مشاعره بالخوف والترقّب والتوجّس والعنف والكراهية.

 يعاني الشرود الذهني وعدم القدرة على التركيز والإنتباه، وقد يتجنّب الذهاب إلى المدرسة لأنه يجد صعوبة في إنجاز واجباته.

 يعاني اضطرابات في النوم وأحلاماً مزعجة وكوابيس.

 أعراض فسيولوجية: فقدان الشهيّة واضطرابات في الكلام والتبوّل اللاإرادي وآلام وهمية في الجسد (الصداع والمغص وصعوبة في التنفس والتقيؤ.)

 تنتابه حال تسمّى بـ «هجمة الرعب»
 Panic Attack
، تتمثّل في  الشعور بالخوف الشديد والتنقل من مكان إلى آخر بطريقة عشوائية  وبحركة غير منتظمة،  بدون سبب واضح.

عدم رغبته في اللعب بنفس القدر السابق، مع فقد الإهتمام والمتعة في أشياء كانت ممتعة له سابقاً.

 

الربط بين الأحداث

وقد يلاحظ الآباء بعض السلوكيات الغريبة التي تطرأ على الطفل والبعيدة تماماً عن أحداث الصدمة والمتمثّلة في رفضه لبعض أنواع المأكولات، رغم أنه كان يفضّلها من قبل.

وبالطبع، يأتي سلوك الطفل على هذا النحو كردّ فعل تلقائي نتيجة الصدمة، إذ يبتعد قدر الإمكان عن ممارسة التصرفات التي يمكن أن تكون لها علاقة بأحداث الصدمة النفسية ويتجنّب أداء الأعمال التي تتعلق بوقت وقوع الحدث.

وغالباً ما تظهر هذه المشاعر السلبية التي يختزنها الطفل في أثناء اللعب، فنجده على سبيل المثال يكرّر مشاهد من حالات الصدمة النفسية التي تعرّض لها، كالإختباء تحت الأشياء إذا كانت الصدمة زلزالاً أو إعصاراً.

وفي الموازاة، تمثّل رسوم الطفل المصدوم مرآةً تعكس مشاعره السلبية، فإذا جاءت الصدمة نتيجة حرب، نلاحظ أنّه يرسم أشخاصاً يتقاتلون ومنازل تحترق وألعاباً محطّمةً.

 

دور الأسرة

وتلعب الأسرة دوراً هاماً في مساعدة الطفل على الخروج من الصدمات النفسية وتجنّب تراكم تأثيراتها السيئة في وجدانه وحمايته من التعرّض لمشكلات نفسية عدّة على المدى القريب أو البعيد.

وتنصح الإختصاصية الأهل، في حال تعرّض الطفل لظروف صعبة، أن يعملوا على إحاطته بالأمن وألا يدعوه أبداً عرضة لمواجهة المواقف الصعبة بمفرده دون دعم نفسي، وذلك عن طريق الحديث المتواصل معه وطمأنته بأن كل شيء سيكون على ما يرام، مع التركيز على بثّ كلمات من الحب في نفسه. ويفضّل إلهاء الطفل وتشتيت تركيزه عند حدوث أيّة صدمة أمامه.

أمّا الأطفال الأكبر سناً فيمكن مناقشة ما يجري معهم والتأكد من أنهم محاطون بأهل سيتخذون الوسائل كافة لحمايتهم وبأنهم لن يكونوا وحدهم أبداً. 

ويحظّر منع الطفل من التعبير عن مشاعره بالبكاء أو السؤال عمّا يجري حوله، مع التحدّث إليه باستمرار للوقوف عمّا يجول في خاطره... 
ومن المهم أيضاً أن يراقب الآباء تصرفاتهم، فيحاولوا المحافظة على حالتهم الطبيعية، مع التحلّي بالصبر وقوّة التحمّل في حال حدوث طارئ ما ليبثّوا الثقة في نفس طفلهم. فكلّما ازداد استقرار الأهل في الأحداث المفاجئة، كلّما ازدادت قدرته على تجاوز صدمته.

ويمكن في الأوقات العصيبة التجمّع وأداء الصلاة والتضرّع إلى الله بالدعاء لبثّ الهدوء والسكينة والإطمئنان في نفس الطفل، ولزرع إحساس داخله يجعله مؤمناً بوجود قدرة إلهية عظيمة قادرة على نجدته في هذا الوقت الصعب، مهما كان الحدث مروّعاً.

 


يجدر طلب مساعدة الاختصاصي النفسي إذا لزم الأمر

 

 

ارشادات مفيدة

اخبار الطفل بأنه من الطبيعي الإحساس بالإنزعاج عندما يحدث أمر سيئ أو مخيف.

تفهّم أفراد الأسرة أن اقتراف الطفل لتصرّفات كان يقوم بها في صغره يعتبر رد فعل طبيعياً على الصدمة النفسية التي تعرّض لها، ويجدر بهم عدم انتقادها.

تشجيع الطفل على التعبير عن مخاوفه وأفكاره، بدون فرض أي رأي عليه.

محاولة إرجاع الطفل إلى نظام حياته السابقة قبل تعرّضه للصدمة النفسية.

العمل على الحيلولة دون تعرّض الطفل مرّة أخرى لأحداث الصدمة النفسية قدر الإمكان.

يمكن محاولة تهوين الأمر عليه بذكر قصص تحكي عن فضائل الصبر والجلد والعزيمة وثواب الصابرين.

طلب مساعدة أحد الإختصاصيين النفسيين إذا لزم الأمر.

اللجوء إلى جلسات العلاج النفسي إذا استدعى الأمر. وقد تكون هذه الأخيرة فردية أو جماعية أو أسرية، ومن بين أساليبها العلاجية: الحديث والرسم والكتابة.

تعريف المدرّسين المحيطين بالطفل باحتياجاته النفسية الخاصة.