إبْصار

لا تزال في مجتمعنا بُقعٌ ضوئية، وبإمكانها، إذا أُحسن توجيهها، أن توزّع النور والأمل في محيطها والجوار

***

هذا ما خطر في بالي لدى زيارة معرض للصور الفوتوغرافية، بعيون أطفال، تُراوح أعمارهم بين السنّ السابعة والرابعة عشرة

***

والمعرض أُقيم في "حدائق الصيفي الحضرية". وهي بقعةٌ مُتوارية في أحد الأحياء التراثية في العاصمة، بيروت

أما القائمون على المشروع، فهم أعضاءُ مؤسسة "إبْصار". والإسم مركَّب من عدّة كلمات، ومعناها: "مركز الحماية الطبيعية من أجل المستقبل

أي أنه مركز للبحث والدراسة، والقيِّمون عليه من أساتذة الجامعة الأميركية: سلمى تلحوق ومريم معتوق، والفنان التشكيلي وسيم قيس

ويلتقي الثلاثة على ضرورة المحافظة على الطبيعة والبيئة، وتوعية الناشئة على ذلك. لذا اشتركوا في هذا العمل، وهو الأول من عدّة مشاريع للمستقبل

***

فقد دعوا أطفالاً تتراوح أعمارهم بين السابعة والرابعة عشرة، من مناطق ريفية في لبنان، ومن مدارس خاصّة ورسمية؛ وزوّدوهم كاميرات، ثم طلبوا منهم أن يحتفظوا بآلات التصوير لمدّة أسبوع، يقومون خلالها بالتقاط صُوَر لمشاهد طبيعية في بيئاتهم

وقد جاءت النتيجة مُذهلة: فهذه الصبية، إبنة الرابعة عشرة، تُصوّر بيت جدّها والذكريات، وتوجِّه رفيقتها عدسةَ الكاميرا صوبَ المزرعة

أما إبنة السنوات العشر، فتجذبها الأشجار المزهرة في الحديقة؛ بينما تُصوِّب زميلة لها عدسة الكاميرا، نحو رجل عجوز يحاول اجتياز الطريق

***

وتُطلق إبنة الثانية عشرة نظريتها الفلسفية فتكتب إلى جانب الصورة: "تُشكِّل الطبيعة نصف الكيان الإنساني. إذا حضرتْ فنحن حاضرون. وإذا اعتنَينا بها فسوف تُعنى بنا

***

ثم يتابع المصوّرون الصغار وصفهم للطبيعة والتي هي في نظر أحدهم "لوحة رسمها الخالق" أو "هي الحياة والأمل والحلم والجمال

***

من يتأمّل الصور المعروضة لن يصدّق أنها ثمرة مشروع تجريبي، إذْ تبدو وكأنها نتاج فنان عريق في المهنة

***

وفي برنامج "إبصار" عدة مشاريع للمستقبل، وكلُّها تدور في فَلَك المحافظة على الطبيعة. وتلفت إلى الإساءة التي يُلحقُها إنسانُ العصر المتحضّر بما يُسميه بعضُهم "أمُّنا الطبيعة

***

وكانت دعوة الأطفال للمشاركة العملية كما تجلّت في معرض الصور الفوتوغرافية لافتة؛ كما أنه سيكون لهم حضور آخر في المشروع التالي على لائحة "إبصار"، وعنوانُه: "حديقة الكتّاب". وسيُدعى كُتّابٌ لهم شهرتُهم وأعمالهم الأدبية أو الفكرية؛ ويُطلب من كل واحد منهم، أن يشترك مع طفل أو طفلة، في غرس شجرة على إسمه، في تلك الحديقة، ويكون الطفل حارساً مؤتمناً على رعايتها

***

وهي فكرةٌ بنّاءة، تحمل الأمل بالمستقبل، كما تغرس في النفوس اليانعة، حبَّ الطبيعة والمحافظة عليها

***

أمّا اختيارُ الكتّاب، فيحمل عدّة رموز، ليس أقلّها، تشبيه الكلمة بالبذرة الخيِّرة. ومتى غُرستْ في تربة صالحة، لا بدّ وأن تؤتي ثماراً يانعة