الغلطة ليست غلطتي

أكيد أنني مثل غيري من الفتيات كنت أحلم بالبيت والزوج والأبناء، لكنَّ الحلم تأخر كثيرًا، فالأعوام مرت عامًا تلو عام، وكل عام كنت أتنازل فيه من دون أن أشعر عن بعض أحلامي، وبعد أن تجاوزت الثلاثين من عمري بدأت أتعود على الوحدة، وبدأت أتخذ قراراتي بنفسي، وشكلت حياتي بما كنت أراه مناسبًا، واستسلمت لهذا الإحساس، لم أنس رغبتي بالزواج، لكنني كنت في تحدٍ مع نفسي؛ حتى لا يصبح شغلي الشاغل، ونجحت بذلك وحققت جزءًا من حلمي في استكمال دراستي والتحاقي بوظيفة، وقررت أن أعيش حياتي الطبيعيَّة حتى يصل الزوج المناسب، وكان الكل من حولي يستنكر ذلك ويظن بأني أريد أن أحيا من دون زواج، وكنت ألمح التساؤلات في أعينهم، ومن ثم تحولت إلى اتهامات تصفني بالغرور تارة، وبالتهكم عليّ طريقة تفكيري تارة أخرى، وبأني لا أحس بفداحة ما أفعل، وسأندم بعد فوات الأوان، لم يفهمني أحد حتى أقرب المقربين مني فأنا لم أرفض مبدأ الزواج، لكنني أتأنى في الاختيار، وأنتظر حتى يأتي النصيب، لكنَّهم اعتبروا أنَّ الزواج من أي رجل فرصة لا مكان فيها للمشاعر، وفي رحلة البحث عن الزواج التي كانت مهمة من حولي جعلتني أغمض عينيَّ عن أشياء عديدة كنت خائفة من أن يسرع قطار العمر من دون أن أتزوج، كان أبي وأمي يحسبان لي عمري، وكم من الوقت باقٍ، وأحرم بعدها من نعمة الإنجاب. نعم تزوجته بقرار من أهلي فالغلطة ليست غلطتي بمفردي، فقد تزوجني بشروطه، وطالما أنَّه سعيد لم يحاول معرفة إن كانت هذه الشروط تؤذيني أم لا، أشعر بأنَّ من تزوجته غريب عني، وسجنت سعادتي، وخنقت نفسي بيدي وليس لدي القدرة على الاستمرار في هذه المسرحيَّة، وأفضل أن أنتهي منها من الفصل الأول، فهناك الكثير من المشاعر والعواطف تنقصني لا أريد أن أضحك على زوجي، وقبلها لا أريد أن أضحك على نفسي، فلقد ضاعت أيامي لحظة بدأت التنازلات، كان أولها التفرغ له وترك عملي وصدمت، لكنني رضخت وبعدها اكتشفت أنَّه لم يحاول أن يعرف أي شيء عني، كل ما يريده هو امرأة للمطبخ وللفراش، كم حاولت أن أتكلم معه وأحاوره، لكنَّه لا يسمع، لا يفهم، وكلما حاولت الاقتراب منه لا يسمعني سوى سخافات تجرحني ويأخذ كل كلامي باستهزاء، فهو يتكلم من دون تفكير، كنت أنتظر لمسة من يديه، أو كلمة حلوة، لكن كان كل همَّه أن يأخذ مني ما يريد من دون حتى استئذان أو رغبة مني، لقد كان يمتص أي لحظة فرحة كنت أفكر أن أعيشها حتى أصبح الهم والغم وحرق الدم هي السمات الرئيسة في عش الزوجيَّة، وبت أخاف الاقتراب منه لسلاطة لسانه

إنها حياة كالكابوس لا وجود للحبِّ والحنان فيها، وأصبح المنزل مجرد فندق يقيم فيه، هو في حجرته ولا يراني إلا عندما يريد مني شيئًا، وفي الصباح يكتب لي ورقة مكتوبًا فيها ما يريد من طعام، وفي المساء يدخل حجرته يشاهد التليفزيون، أو يخرج مع أصدقائه ويتركني وحيدة. كيف لي أن أرضي إنسانًا لا يحس بي، ولا يريد أن يحس بأنَّه إنسان غريب عني، حتى ذبل جسدي، وتدهورت حالتي النفسية. أشعر بأنني متزوجة مع وقف التنفيذ، وبمعنى أدق بأنني عانس وأنا متزوجة، إن الأصل في الزواج البيت والسكن، وأنا لم يسكن بداخلي هذا الرجل، أهلي يرون أنني متزوجة، وأنا أرى أنني ظلمت نفسي، أريد أن أشعر بأنني أنثى ومن حقي أن اختار الإنسان الذي سأستمر معه عمري كله، إنَّ الانسياق وراء حياة جافة من دون تفكير، وفي غياب العقل تكون نتائجها غاية في الخطورة، لأنَّها قد تدمرني، وتهدم كياني وأنا فقدت في رحلتي أشياء كثيرة لا تقدر بمال، ولا يمكنني الاستمرار في ظلمها، ولابد أن أصحح الوضع قبل ما ينتهي العمر وأموت مع إنسان لن يتأثر لموتي

همس الأزاهير

يا صاحبي في خاطري أسألك شيئًا.. شيء معكر كل صافي حياتي
إن كنت ما تدري بغلاتي وأنا حي.. وش مكسبي لو أنك حزنت بوفاتي