عدت لأحبابي

قال لي: كلما استرجعت الماضي لا أرى إلا حلاوته وكم كنت مخطئًا. سألت نفسي: كيف عشنا وتربينا أنا وأخواتي مع أمي وأبي؟ تساءلت مرارًا: كيف كبرنا بعد موت أبي مع أمي؟ حاولت من دون جدوى؛ فقد خانني عقلي، فهناك حقبة من الزمن سقطت من حساباتي، وكم سعدت حين وقعت عيناي مصادفة على ألبوم ذكرياتنا برغم أنني كنت أشاهده من حين لآخر، إلا أنَّني اليوم أراه كما لم أفعل من قبل. اليوم أتمسك بكل صورة وأتفحصها محاولاً تذكر تاريخها؟ لم تسعفني ذاكرتي إلا بأقربها زمنًا.. وكم رغبت باسترجاع ومعرفة تفاصيل كل صورة وكأنني كنت أبحث عن ذاتي ووجودي، وأدركت أنني فقدت الكثير من الذكريات، حتى لمحت في ظلال الصور خيالي، وسمعت صوتًا يهمس من بين الشفاه ويقول لي: أين أنت يا ابني؟ أين أنت يا أخي؟ تُرى لهذه الدرجة كنت أنانيًا؟ أم بخيلاً؟ أم جاحدًا؟ أم قاسيًا؟ فكل ما أذكره يوم مات أبي أنني قلت: إنها سنة الحياة.. ويوم تزوجت قلت: إنها عجلة الحياة.. ويوم رحلت بعيدًا قلت: إنها رحلة الحياة.. نعم أذكر رحيلي.. وأذكر يوم تركت خلفي صورة كبيرة من غير إطار، صورة أمي وأخواتي.. نعم رحلت وكأنني لن أعود.. رحلت تاركًا كل شيء.. وكأن الأمر لا يعنيني.. ها أنا أقلب ألبوم الذكريات صفحة تلو الأخرى.. وتتوالى الذكريات أمام ناظريّ وتتدفق مشاعري مع الأحداث، وأسأل نفسي بين صورة وأخرى أين أنا منها؟ ودهشت بأني تجاوزت الـ30 عامًا منذ أن رحلت عن أمي وأخواتي.. ثلاثون عامًا بعيدًا عن حضن أمي. عفوًا حتى لا أكون أنانيًا.. ثلاثون عامًا حرمت فيها أمٌّ من ولدها الوحيد.. ثلاثون عامًا سرقت منها راحة البال والطمأنينة.. بدل أن أكون بصحبتها وسندها بعد وفاة أبي رحلت، وكنت سببًا لزيادة في آلامها، ثلاثون عامًا بعيدًا عن أخواتي، تركتهن بلا أخ يحنو ويعطف عليهن ويحميهن ويشاركهن أفكارهن وهن في ساحة الحياة، وبالأمس عدت ألملم تلك الصور التي بعثرتها السنون، أبحث فيها عن أمي وأخواتي وكم أسعدني وجودهن في صورة واحدة، لكن أين أنا؟ هل تهت بين صفحات الماضي والحاضر؟ فأنا أتمنى أن أكون بينهن داخل إطار واحد، عدت ومددت يدي نحوهن وقلبي يخفق كنت أحبس دموعي خلف جفوني، عدت لأطبع قبلة على جباههن، متوقعًا منهن عدم استقبالي، وأن صدورهن لن تسعني، توقعت أن قلوبهن لن تغفر لي، لكن ما أن مددت يدي حتى عانقتني أمي فرحة مبتهجة.. هي من قبلت جبيني.. وضمتني لصدرها، هي من فعلت.. هي من ترقرقت عيناها بالدموع فرحًا بعودتي.. ومن خلفها التفت حولي أخواتي عانقنني فرحاتٍ، وكأنني رحلت عنهن قبل أيام.

أنين العودة

الحمد لله ها أنا عدت لأحبابي، عدت والتقطنا أول صورة لنا.. لا ولن أتركهم فأنا منهم ولهم ومعهم داخل إطار واحد وقلب واحد وفكر واحد، ربي تقبل توبتي وعودتي واغفر لي تقصيري.

طفل الربيع