الأب في يومه العالمي.. وردة حمراء لـ «صخرة» العائلة

الأب صخرة يتكئ الابن والابنة إليها في كل مراحل حياتهما. هو الشديد في الملمات التي تعصف بعائلته، والحنون القادر على تطييب الجراح والقدوة. محظوظ(ة) من مناه الله بأب متفهم يرى في ولده وابنته امتداداً له، ويدعمهما ويفسح لهما المجال لعيش تجربة الحياة، من دون قيود غير منطقية. وثري من لا يزال والده حيّاً. ومكتف من كان أبوه حنوناً، ويعبر عن مشاعره له. فيما تنهمك البنات في شراء الهدايا أو تنسيق باقة من الورود الحمر للتقديم للآباء، في يومهم العالمي، ويسأل الأبناء عن تفاصيل هذا اليوم، ويجادلون في أمر طرق تكريم الآباء، تعرّج «سيدتي» على دور الأب في المجتمعات الحديثة، وتُسلط الضوء على علاقة ثلاثة آباء بأبنائهم وبناتهم في أجيال مختلفة، مع أهمية الذكر أن تاريخ يوم الأب متفاوت بين دولة أخرى، وأن الاحتفاء بالمناسبة بدأ في عام 1910، بـسبوكين (مدينة واقعة في وسط شرقي ولاية واشنطن بالولايات المتحدة)، بدفع من الأميركية سونورا لويس سمارت دود، التي توفت والدتها فرعاها وأخواتها أبوها، لذا أرادت أن تعترف بفضله، فقدمت عريضة تُطالب فيها بتخصيص يوم للأب، سرعان ما أيدتها جهات عدة.



أشرفت على التحقيق وشاركت فيه | نسرين حمود Nisrine Hammoud

بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine وماغي شمّا Maguy Chamma

تصوير | محمد رحمة Mohamad Rahme

جدة | أماني السراج Amani AL Sarraj

تصوير | علي خمج Ali Khamg

الرباط | سميرة مغداد Samira Maghdad




بين الأمس واليوم، تبدّلت أدوار الآباء في بعض المجتمعات؛ أمست صورة «سي السيد» الشديد الذي «يُرعب» الزوجة والأولاد والبنات، بحضوره وتسلّطه، نادرة، أو ذلك القانع بأن سلطته تخول له التحكم في الأبناء ومصيرهم، أو الكاره للبنات من ذريته، قلما تبرز عبر وسائل الإعلام التقليدية و«النيو ميديا»، أو هي تكون موضع استهجان، ولو أن هذه الصورة حقيقية في بعض المجتمعات. في المقابل، تُظهر الصور الإعلامية آباء داعمين لبناتهن ومحمسين لهن على قبول الحياة، وآباء أصدقاء لأبنائهم. آباء يخوضون الصعاب في ظل الوضع الاقتصادي لتأمين الأساسيات وبعض الكماليات لعائلاتهم. آباء يقرؤون متغيرات أدوارهم، ويعون كبر دور الأمهات، لا سيما العاملات، مقارنة بهم. في صور «الميديا»، آباء في سنّ الشباب يشاركون الأبناء والبنات اللهو، يفخرون بصنيع أبنائهم وبناتهم مهما اختاروا من تخصصات ومهن. كتب أدباء كثيرون عن آبائهم؛ في السيرة الروائية «أصبحتُ أنتَ» بقلم الجزائرية أحلام مستغانمي، وفيها تتناول الروائية الأكثر مبيعاً حياة أبيها المناضل ومآلاته وتأثيراته فيها، تكتب: «وضعتُ شرطاً لقلبي ألا يحب إلا رجال المواقف؛ لأن الحب عندك كان قضية. لم أسأل يوماً أحداً عن ديانته؛ لأنك لم تسألني يوماً إلا عن أخلاق من عرفتُ».


والدي الملجأ والظهر

ريم فيصل ووالدها عدنان فيصل

 


في حوار مع «سيدتي»، تصف ريم فيصل، رائدة الأعمال والمستشارة المهنية في قطاع الأزياء، والدها بـ «الملجأ والظهر»، مؤكدةً أنه «النقطة المرجعية في حياتها بعد الكتاب والسنة». تقول لـ«سيدتي»: «من خلال أبي، تعلّمت الفرق بين العادات والتقاليد والقيم، كما ساعدني على اختيار قيمي الخاصة، لذا أعدّه بنياني الداخلي».

عن قوة العلاقة التي تربطها بوالدها، تتحدث، قائلة: «والدي هو الصديق والحبيب والشخص المُقرّب لي، فعلى الرغم من هيبته وحضوره القوي، فإنّي لا أخشى الحديث معه بكل أريحية في أمور حياتي كافة. ليست هناك أية حواجز بيننا. كما لم أشعر يوماً بأي تحفّظ عندما أتحدّث إليه». وتضيف: «كلما كبرت، تعمّقت العلاقة بيننا واتخذت بعداً جديداً. اليوم، بعد أن أصبحت أمّاً، شعرت بتعلّقي به أكثر، مقارنةً بما كنت عليه في الصغر، ففي الغالب يكون الطفل اعتمادياً بشكلٍ كبيرٍ على والدته في هذه المرحلة. كم أتمنى أن يأتي اليوم الذي أصبح فيه بمستوى، يجعل والدي يعتمد عليّ، ولو بقدرٍ بسيط».

 


دروس وعبر


في عدّ رائدة الأعمال مكتسباتها من والدها، وما تعلّمته منه على مدى سنواتٍ، تلفت إلى أمرين مهمين غُرسا في داخلها: أولهما، الإصرار والمثابرة من أجل الوصول إلى الهدف. عن ذلك تقول: «كنت أراه يثابر ويجتهد ويعمل في سبيل تحقيق ما يصبو إليه، فشكّل لي مدرسةً حقيقيةً، نهلت منها هذه الصفات التي مهّدت طريقي في دروب النجاح». والثاني، هو أهمية الوجود في بيئة تشبهنا من حيث التحفيز والإلهام. وتزيد: «أكسبني والدي، كذلك، قيمةً عاليةً أخرى، هي قيمة العائلة التي تجمعها روابط قوية، فيتمسك أفرادها بمساعدة بعضهم البعض؛ ما يعود بالإيجاب على الأسرة والمجتمع».

لمناسبة يوم الأب، تقول: «والدي، أنت أعظم أبٍ. لن ينجب التاريخ أباً بعظمتك وكمالك. أحبك يا بابا».


البنات شموع منازلنا


من جهة، عدنان فيصل (والد ريم)، الطيّار ورجل الأعمال، يقول: «ريم فاتحة خيرٍ في حياتي، فبقدومها وأختها، أشعّ النور من حولي، وفُتحت لي أبواب كثيرة، فتغيّرت الحياة والموازين بوجودهما، كما شعرت براحةٍ نفسيةٍ كبيرة. باختصار، هما كل حياتي وحياة والدتهما، وإن كانت المسؤولية زادت علينا، فكما يعلم الجميع، يبدأ الزوجان بعد قدوم أول طفلٍ بوضع الخطط لتربيته، ويفكران في تأمين مستقبله، وتحقيق الاستقرار المادي له». يُعبّر الأب عن عدم اتفاقه مع المثال الذي كان يُردّده السابقون، ومفاده أن «همّ البنات للممات!»، فيما يعتقد أن «البنات شموع منازلنا، فهن النور والحب والعطف حتى الممات، وكلما عطفنا عليهن وقمنا بمبادلتهن الحبّ بالحبّ في صغرهن، وجدنا تلك العاطفة وذلك الحب بجرعاتٍ أكبر عندما يكبرن، وإن كانت حاجاتهن تختلف بحسب اختلاف المراحل العمرية، لكن الإطار العام يكمن في الأمان والحنان العاطفي، فالفتاة تستمدُّ من أبيها الأمان والحنان والقوة».


لحظات فخر لا تحصى


يفتخر الطيار رجل الأعمال بابنتيه، قائلاً: «لله الحمد، ابنتاي متعلمتان، ولديهما فكر عالٍ، وأستمدّ منهما القوة، وأجدهما سندي في المراحل الصعبة من حياتي». وعن أوجه الشبه بينه وبين ريم، يذكر: «ريم تشبهني في الإصرار والمثابرة للوصول إلى الهدف، لكن إصرارها يتسم بالصبر. منذ ولادتها وحتى اليوم، أعيش لحظات فخرٍ لا تُحصى بها، والفضل في ذلك يعود إلى الله تعالى أولاً، ثم إلى والدتها التي ساندتني في الوصول إلى التربية والنشأة التي ننشدهما».

يمكنك الاطلاع على جوجل يحتفل بيوم الأب


والدي داعمي الأول

وسام صباغ وابنه جاد صباغ

 


يشير جاد صباغ، طالب في كلية طب الأسنان، إلى أهمية دور الأب، فلا بديل عنه بحسب الشاب اللبناني في حياة المرء؛ لأن الأب مصدر القوة والشجاعة والقدرة على خوض مصاعب الحياة... لمناسبة يوم الأب، يقول لوالده، الممثل وسام صباغ: «أحبك. أنت مثالي الأعلى، وإلى جانبي على الدوام؛ منذ نعومة أظفاري، تُشجّعني وتدفعني إلى الأمام والأفضل». في الإجابة عن سؤال «سيدتي» حول تأثيرات أبيه في شخصيته، يقول جاد: «أخذت من والدي صفات الهدوء والمثابرة وعدم الاستسلام»، مضيفاً أنه «في إحدى المرّات، كنت في سن السادسة، أشاهد عملاً له عبر التلفزة، فبدت مشاهد تجمعه بممثل صغير. سألته، وقتها: لم لا أشاركك التمثيل؟ لأخوض بعد ذلك مجال التمثيل، معه، في مسلسلات عدة وفيلم سينمائي. كان داعماً لي وأعطاني من خبرته الطويلة في مجال التمثيل، وساعدني على كسر الشعور بالخجل، في مقابل الكاميرا، وفي طريقة التحدّث بعفوية... ولا أزال حتى هذه اللحظة أتعلّم منه أموراً كثيرة في مجال التمثيل والحياة».

 


تأثيرات الشهرة


وعن تأثيرات شهرة أبيه فيه، يقول جاد إن «التأثيرات إيجابية؛ لأن الجمهور يحترم أبي ويُقدّره؛ الأمر الذي يُشعرني بالسعادة والفخر. أتعامل مع والدي كأنه شقيقي، وأتشارك وإياه تفاصيل حياتي اليومية، كما نمارس الرياضة معاً». ويضيف: «أبي، بدوره، حاضر للرد على كل استفساراتي وناصح على الدوام»، متمنيّاً أن يكون والده فخوراً به على الدوام.


الصراحة والحوار المتبادل والدائم


من جانب الممثل وسام صباغ، الذي رزقه الله بجاد ولين (طالبة في علوم الحاسوب)، فإن علاقته مميّزة بهما؛ لأنها قائمة على أسس متينة، هي: الصراحة والحوار المتبادل والدائم. يقول الممثل لـ«سيدتي»: «كلي إيمان أن الفن رسالة لخدمة البشرية، وهدفي أن تصل المادة التي أقدّمها عبر شاشة التلفزيون أو السينما إلى الجميع، وأصبو أن تُبنى الشهرة على محبة الناس، لذا يفرحني عندما أكون بين الناس والشعور بحبهم وتقديرهم لي؛ ما ينعكس إيجاباً على ولديّ عندما يلمسان الاحترام والتقدير للفن المهذّب». ويضيف: «لا أمانع احتراف ولديّ الفن؛ بل على النقيض من ذلك، سبق أن شجعت جاد عندما أبدى رغبة في ذلك، فقدّم عدداً من الأدوار التمثيلية معي، كما نقلت له تجربتي». ويتابع: «درست المسرح، كما إدارة الأعمال؛ لأني أعدّ مهنة التمثيل غير مستقرة. لذا، أنصح ولديّ، في حال قررا الاحتراف في المجال الفني، أن يكون لديهما باب آخر لكسب العيش».


نعمة


وعن الطريقة التي اتبعها ويتبعها في تربية ولده وابنته، يجيب: «أدعمهما بالوقوف إلى جانبهما، ومشاركتهما تفاصيل الحياة، في كل المراحل العمرية التي يمران بها، مع مواكبة أفكارهما وتطلّعاتهما، فوجود الأهل إلى جانب الأبناء، في العموم، نعمة. أمّا الغياب، حتى لو في مرحلة معينة من حياة الأبناء، فقد يتسبّب بالنقص على الصعيد الشخصي والمشكلات». يرسل الفنان رسالة إلى جاد ولين، فحواها: «تابعا التعلم، واحترفا مهارة الإصغاء، واقرآ وتحليا بطموح كبير وشخصية قوية ودبلوماسية في الحياة...».

عن جاد، يقول وسام إنه يشبهه بالكاريزما والهدوء والعناد والتخطيط والاستماع وتحديد الهدف. وعن لين، يلفت إلى أنها تشبهه أيضاً، لناحية الكاريزما والهدوء وحسّ الفكاهة. ويصف الممثل ابنته بـ«الحسّاسة»، فهي لا تطيق الضجيج والأصوات العالية والأضواء القوية، على غراره.


بين الماضي والحاضر


عن اختلاف سبل تربية الابنة عن الابن، يُلاحظ الممثل نتيجة لتجربته أن «الابنة تحتاج إلى اهتمام أكثر كونها حنون وحساسة وتمرّ بتغيرات نفسية أو جسدية... هنا يجب أن يقوم الأهل بدور كبير ويتفهّمونها جيداً، ويكونون قريبين منها».

يقول الممثل: «تقوم علاقتي بلين على الحوار والصدق والنقاش، وهذا اكتسبته من أهلي وطوّرته؛ لأن أسس التربية تختلف بين الماضي والحاضر. وعلاقتي بجاد تشعرني بأني أتعاطى مع شاب وأتفاهم معه، وأتبادل معه الآراء المنوّعة، لا سيما في مجال التكنولوجيا وتطوراته، فأبناؤنا هم صلة الوصل بين جيلنا وبين التكنولوجيا».


إقرئي المزيد عن اليوم العالمي للوالدين كيْفَ نَرُدُّ الجَميْل؟

 


شهرة والدي نصب عينيّ

عبدو فغالي وولداه كريستوفر ولوكا

 


لمناسبة يوم الأب، واكبت «سيدتي» تدريبات عبدو فغالي، بطل الرالي اللبناني ومُحطّم رقم «غينيس» القياسي لأطول انْجراف (دريفت)، صحبة ولديه كريستوفر (13 عاماً) ولوكا (7 أعوام)، في إحدى حلبات سباق السيارات في لبنان. في هذا الإطار، أعرب كريستوفر بكر البطل عن محبته لوالده ودعمه له وشغفه بممارسة رياضة السباقات، خصوصاً بعد أن كان يرافق والده إلى الحلبات، في سن صغيرة. يتمنى المراهق أن يكتسب شهرة والده ويلفت إلى الجهد الذي يبذله في التمرينات، بإشراف والده، لكسب البطولات. وهو يتمنى لأبيه، في مناسبة يوم الأب وفي كل يوم، دوام الصحة والعافية، وأن يحقق أحلامه وأحلام والده بالوصول إلى عالم «الفورمولا 1».

 


الأبوة أجمل شعور


من ناحية عبدو فغالي، فإن «الأبوة أجمل شعور»، مضيفاً: «ولداي يشبهانني بحبهما للإثارة والحماسة؛ حاولت قدر المستطاع عدم إلزامهما بهوايتي وشغفي في سباق السيارات، لكنهما انجذبا إلى هذا النوع من الرياضات بحكم مواكبتي منذ الصغر، فقد كانا يشاهدان السباقات التي أخوضها، مباشرة من الحلبة. يُفرحني اليوم رؤيتهما يُمارسان رياضة السيارات، مع تقديم كل الخبرات إليهما، ليُحسّنا مهاراتيهما، فيسهل عليهما الطريق لتحقيق أهدافهما». ويضيف: «ربح كريستوفر، في سنّ السابعة، مسابقات أهلته ليصبح أصغر بطل بتاريخ رياضة السيارات في لبنان، فقد حصّل حتى اليوم بطولة لبنان لستّ مرات وبطولة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لثلاث مرات، إضافة إلى مرتين في أوروبا. وهو كان بطل العالم العام الفائت. لوكا، بدوره، بدأ التحضيرات لخوض غمار هذه الرياضة، مع دعم لوضعه على الطريق الصحيح على غرار أخيه». ويتابع عبدو إنه لم يفرض على أبنائه ممارسة أي رياضة، فقد اختار كريستوفر إلى جانب رياضة السيارات كرة المضرب، ولوكا كرة القدم، فيما لم تبد ابنته كلوي أي اهتمام برياضة السيارات.


تباين؟


من المعلوم أن وصايا الأب لأبنائه، في العموم، هي القيادة بتأن، والبعد عن السرعة، وتجنب أي أخطار. في المقابل، سباق السيارات هو من الرياضات الأكثر خطورة في العالم. عن هذا التباين، يقول عبدو إنه يوعي ولديه بمدى خطورة هذه الرياضة في حال ممارستها على الطرقات العامة، إضافة إلى ضرورة الالتزام بمعايير السلامة، مع إطلاق العنان لهما ليفجرا موهبتيهما في الحلبات حصراً. إلى ذلك، هو يضيء على أمر عدم الدعم الحكومي لهذه الرياضة وتكلفتها العالية؛ الأمر الذي يجعله ينصح ولديه بالحفاظ على سيارات السباق وتجنب الحوادث.


للمذاكرة الأولوية


بين الدراسة والموهبة وممارسة الهوايات قد يتأثر بعض الطلاب سلباً ويتشتت تركيزهم عن المذاكرة، ما ينعكس على التقييم والمستقبل الأكاديمي، هنا يكون للأهل دور بالغ في تحقيق التوازن بين الدراسة وتنمية الموهبة. في هذا الإطار، يوضح فغالي أن «للمذاكرة أهمية كبيرة، وعندما يلاحظ أي تقصير من أولاده، هو قد يلغي أمر التدريب».


أجيال رياضية


الجدير بالذكر أن عبدو فغالي تشرب حبّ السيارات من والده إسكندر، الذي كان يمتلك مرآباً للسيارات تحت المنزل، يجهز فيه السيارات للسباق لأبطال لبنان، كما كان يشارك أيضاً في السباق. وكان عبدو وأخوه روجيه يواكبان والدهما، ولو أن عبدو لم يتلقّ الدعم من والده، فقد كان الأخير يعلم تكلفة هذه الرياضة العالية وخطورتها. لكن بعد الفوز بأول سباق عام 1998 ثمّ تحقيق المركز الثالث بالترتيب العام للسباق بالكامل، أيقن الوالد شغف الابن، وعاد ودعمه منذ ذلك الوقت وحتى اليوم.

 


ثلاثة أبعاد


حسب الاختصاصية في الطب النفسي الدكتورة مديحة أنوار أن «طبيعة العلاقة بين الأب والأبناء تتفاوت وفق الثقافات والقيم والديناميات العائلية المختلفة. وعلى الرغم من ذلك، هناك عناصر مشتركة تُميّز هذه العلاقة في العديد من المجتمعات، العلاقة التي تعتمد على نظرية الانتقال النفسي بأبعاده الثلاثة: ففي البعد الأفقي، تعتمد العلاقة على تمرير الخبرات والتصورات من الجيل السابق إلى الجيل التالي. وفي البعد العمودي، يحدث الانتقال النفسي من الوالدين إلى الأطفال؛ أي انتقال المعرفة والمعاني النفسية والعواطف إلى الأطفال. ثمّ، هناك البعد التواصلي الذي يتم من خلال التفاعلات الحوارية بتبادل الأفكار والمشاعر والتجارب الشخصية». وتضيف: «يسعى الأب إلى تكوين أبنائه من خلال توفير الحماية الجسدية والتوجيهات العاطفية والقيمية والقواعدية والعلمية، كما التحسيس بالاستقلالية، ودعم الهوية الذاتية، وتنمية الثقة والشعور بالأمان، وتعزيز المهارات الاجتماعية». وتُعلق الاختصاصية أهمية على العلاقة بين الأب والأبناء، وتصف العلاقة بـ«الحيوية». بعبارة أخرى، هي مهمة جداً لتطور الطفل ونموه الشخصي والعاطفي.


تقلصات


صحيح أن سلطة الأب عرفت تقلصات، لا سيما بالمقارنة بنوعية العلاقة القائمة على النمط التقليدي القديم في العديد من المجتمعات؛ بفضل تعزيز مبدأ المساواة بين الجنسين، وتغيير الأدوار بين الجنسين، وتقسيم المهمات التي كانت حكراً على الأنثى أو المرأة، فسادت قيم جديدة تقوم على التشارك والتعاون على الحياة اليومية في كل المهمات، ومبدأ الأبوة المشتركة في تربية الأطفال وتنشئتهم. لكن، لا ترى الاختصاصية أن «هذه التحولات تعني تراجع سلطة الأب بالضرورة، فهناك العديد من المجتمعات العربية الإسلامية التي لا تزال تحترم سلطة الأب، وتمنحها كل العناية».

وتضيف: «لا يعني تطور المرأة أبداً فقدان هيبة الأب داخل الأسر، بل على العكس هو تطور يهم المرأة بوصفها كياناً يهدف إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، وتقدير دور المرأة في المجتمع؛ ما يعكس نضوج المجتمع، وتوفير بيئة صحية اجتماعية ونفسية داعمة لنمو شخصيات الأبناء وتطورها، فضلاً عن تعزيز مبدأ الشراكة العائلية لتحسين جودة الحياة والدخل، والحصول على الرفاهية».


بين الولد والبنت


من جهة أخرى، في سياق علاقة الأب بابنته، تتحدث الاختصاصية عن دور الأب في تشكيل تصور الابنة عن الرجال، ونمو ثقتها النفسية وقدراتها، كما غلبة العاطفة على علاقة الأب بالبنت، عكس العلاقة بالابن التي تتأسس على هوية الانتماء أكثر، وتتميز بعلاقة المسؤولية الاجتماعية والاستقلالية. لكن ليس ما تقدم قاعدة صارمة، فالعلاقة مع البنت تتأثر بعوامل عديدة، مثل: طبيعة الفرد، والتجارب الشخصية.


الحضور العاطفي


لبناء العلاقة الجيدة بين الأب والأبناء والبنات، يمكن اعتماد بعض المسارات، منها: الحضور العاطفي؛ أي إظهار مشاعر الحب والتعبير عنها والإنصات، فلا يصدر أحكاماً متسرعة، مع تفعيل مبدأ الشراكة والتعاون؛ أي مشاركة الأبناء في اهتماماتهم الشخصية، وإظهار الاحترام والتقدير، وكذلك وضع حدود واضحة للسلوك والمسؤولية، وتحفيز الاستقلالية، وتخصيص وقت للحوار وتبادل الأفكار.

يمكنك الاطلاع على الأب والتوازن بين العمل والحياة الشخصية

 

 

أدوار الأب المُتغيرة


عن الاختلافات في أدوار الأب بين الماضي والحاضر، تقول الدكتورة المغربية مديحة أنوار، المعالجة النفسانية والاختصاصية في الطب النفسي، لـ«سيدتي»: إن «الأب، على الرغم من التحولات الاجتماعية يحتل مكانة مهمة في العائلة، فلا يقتصر دوره على المساهمة المادية فحسب، بل يشتمل على الدعم العاطفي والتوجيهي المساهم في تنمية المبادئ والقيم لدى الأبناء، وتحقيق التوازن النفسي والفكري».

وتضيف: «مع التطور الاقتصادي والاجتماعي الحاصل راهناً، وتطور دور المرأة، عرفت مكانة الأب بعض التحولات والتغييرات. ففي الماضي كان الدور القائم على طبيعة النوع الاجتماعي يعتمد أساساً على الذكر، ويتمحور حول في الطب النفسي الدكتورة مديحة أنوار تقليدية في الأساس؛ حيث كان يعدّ الأب المعيل الرئيس للعائلة والقائد الأسري. لكن، في العصر الحالي، أصبحنا نشهد تطوراً كبيراً في دور الأب وحضوره، سواء في تربية الأبناء ودراستهم وحياتهم اليومية، وحتى في إدارة الأعمال المنزلية، فالآباء المعاصرون يسعون إلى المزج بين العمل والحياة الأسرية، ويتطلعون إلى تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والأبوية». وتزيد أن «التغييرات تعززت بزيادة الوعي بأهمية توفير بيئة داعمة وصحية لمرافقة الأطفال وتجويد مستقبلهم. لذا، يمكن القول إن الدور والمكانة اللتين يحتلهما الأب اليوم أصبحتا أكثر شمولية وفعالية وتوازناً».