في معرض الرياض الدولي للكتاب.. بنية الرحلة في القصيدة الجاهليّة.. الأسطورة والرمز

جانب من الحضور
2 صور
قدم الأستاذ الدكتور عمر السيف رئيس مجلس إدارة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، ضمن الفعاليات المُصاحبة لمعرض الرياض الدولي للكتاب محاضرة بعنوان: (بنية الرحلة في القصيدة الجاهليّة .. الأسطورة والرمز)، واستمرت المحاضرة على مدى ساعة ونصف، بيّن فيها أنّ المحاضرة جزء من كتاب يزمع طباعته عمّا قريب، ويُتوقّع أن يطرحه قبل معرض جدة القادم.
وتحدث (السيف) خلال المحاضرة عن أمور كثيرة تتعلق بالقصيدة الجاهلية ورحلتها منذ البداية والمراحل التي مرت بها إلى أن وصلت لأهم المشكلات التي واجهها الشعر الجاهلي.
ثم بيّن السيف أنّ الكثير من الباحثين يرون أنّ الشعر النبطي والجاهلي يمثّلان إرثًا أدبيًّا واحدًا متصلًا، وقدّم دراسة تطبيقيّة على بنية النسيب بين القصيدة الجاهليّة والنبطيّة الذي يعدّه المحاضر امتدادًا ثقافيًّا ولغويًّا للشعر الجاهلي.
واختتم حديثه عن هذا المبحث بقوله: "إنّ عناصر النسيب في القصيدة النبطيّة اختلفت عنها في القصيدة الجاهليّة، فقد أصبح عنصر القهوة/ الخمر أهمّ عناصر بنية النسيب وأكثرها ورودًا"، ثم يأتي عنصر الظعينة الذي تفرضه حركة القبائل الموسميّة.

وقد زادت أهميّة هذا العنصر حتى غدا التغزّل بالحبيبة استكمالًا لهذا العنصر، فغدت الحبيبة بدويّة في معظم القصائدن أمّا الوقوف على الأطلال، فقد ظلّ هذا العنصر حاضرًا مع أنّ ثمّة ما يشي بأنّ حضوره، في الغالب، كان أدبيًّا من قبل من تأثّروا بالقراءة الفصيح، لكنّ هناك نماذج غير قليلة لشعراء من البادية وقفوا على الطلل.
أمّا عنصر "الشيب والشباب" فقد استمرّ في الشعر النبطي كما كان عند الشعراء الجاهليّين، في حين كاد أن يختفي عنصر "رعي النجوم" الذي كان محدودًا أيضًا في العصر الجاهلي، واختفى عنصر "الطيف والخيال"، إذ لم أجد نصوصًا تمثّله.
ولذلك يمكن القول إنّ عناصر بنية النسيب لا تزال ضمن موضوعتي المرأة والزمن، مع أنّ ثمّة تبدّلًا بين العناصر الكبرى والصغرى، فالقهوة/ الخمرة، والظعائن، والتغزّل في الحبيبة أصبحت عناصر كبرى، والأطلال والشيب والشباب، ورعي النجوم غدت عناصر صغرى.
وفي الختام، بيّن المؤلّف أنّه على الرغم من أنّ المدّة الزمنيّة التي تفصل العصر الجاهلي عن العصر الحديث طويلة نسبيًّا، فإنّ ثقافة العصر الجاهلي التي تبدّت في أشعار ذلك العصر ظلّت باقية في الشعر النبطي، وفي اللاوعي الجمعي لإنسان المنطقة، وسواء زال الشعور بالتقديس أو ظلّ مخبوءًا؛ فإنّ اللغة استبقت العناصر المقدّسة بشكل يشي بأنّ قدسيّتها لم تُمح تمامًا، ولا سيّما أنّ إنسان المنطقة لم يتغيّر دينيًّا تغيّرًا جذريًّا، أمّا أبرز توصيات هذا الكتاب فتتمثّل فيما يأتي:

إعادة النظر في المُسلّمات التي استقرّت في الدرس الأدبي الحديث، ومراجعتها وتصحيحها.
أن تتجه الدراسات الحديثة إلى نقد تحقيقات الدواوين والشروح الشعريّة القديمة، في ضوء المعطيات الحديثة لدراسة مجتمع شبه الجزيرة العربيّة قبل تكوّن الدولة الحديثة.
عقد دراسات مقارنة بين الأدبين الجاهلي والنبطي، وذلك لإعادة قراءة الأدب الجاهلي في ضوء فهم امتداده الثقافي واللغوي.
إعادة قراءة العادات والتقاليد العربيّة قبل الإسلام، بعد دراسة امتداداتها الثقافيّة والاجتماعيّة.
يتطلّب كلّ عنصر من عناصر القصيدة دراسة مقارنة بين الأدبين، لنستبين سماته وخصائصه، ومن المهم أن تفتح الدراسات الأدبيّة الحديثة نوافذ للتراث الشفهي.
من المهمّ التفريق في فهم الشعر الجاهلي بين عادات أهل المدن وأشعارهم وثقافتهم، وبين أهل الوبر، ولن يتأتّى ذلك لمن عاش في بيئات بعيدة ولا يستطيع التفريق بين هاتين البيئتين اللتين تتداخلان بشكل لافت، وتتمايزان بشكل دقيق.
وقال: "لعلّ أهمّ توصية يُختم بها هذا الكتاب هي الحرص على جمع التراث غير المادي للجزيرة العربيّة، وتوثيق آدابهم، ولهجاتهم، وأساطيرهم، وتقاليدهم الشفهيّة، وتاريخهم، وحكاياتهم، ورقصاتهم، وموسيقاهم، وألعابهم، وأناشيدهم، ومعارفهم، وأعرافهم، وطرق استشفائهم، ومعتقداتهم الدينيّة، وقِيَمهم، وحِرَفهم.
وهذا مشروع وطني يهمّ كلّ بلد، ويزداد أهميّة في الجزيرة العربيّة بوصفها مهد الثقافة العربيّة، ومنشأ الإسلام، ولذلك لا مناص عن الحثّ على إزالة الأسباب العاطفيّة التي تدعو إلى إهمال التراث الشعبي، فتكريم اللغة العربيّة الفصحى والاهتمام بها يقتضي دراسة اللهجات العربيّة الحديثة التي قد تكشف ما غاب أو غُيِّب أو فُهم خطأ من موروثنا، فالانغلاق على الفصحى وآدابها في الدراسة سيحرمها من روافد مهمّة يمكن أن تغنيها وتشرحها وتفسّرها.
ومن ثمّ تمنّى من الأقسام الأكاديميّة للغة العربيّة فتح المجال لدراسة التراث غير المادّي في الدول العربيّة، ولا سيّما مناطق الجزيرة.