العلاقات المضمونة

مريم شمص
مريم شمص
مريم شمص

نسال أنفسنا أحياناً: لماذا نخسر فجأة أصدقاءنا؟ لماذا لا نظلّ الأشخاص المفضّلين لأشخاصنا المفضّلين؟
لماذا تفقد علاقتنا بأحبّائنا وأزواجنا بريقها فجأة؟ ولماذا تخسر وهجها ودفئها وتميّزها؟
لماذا نجد أنفسنا فجأة بعيدين عن دائرة إخوتنا، فنتوقّف عن أن نكون أصدقاءهم الأقرب..
لماذا تبرد علاقتنا بأشخاص نحبّهم جدّاً، ونجد الحواجز بيننا قد ارتفعت والمسافات اتّسعت مع أننا نريدهم في حياتنا بشدّة؟ وحين نحاول استعادة مكانتنا في حياتهم نجدهم قد ابتعدوا لدرجة استحال معها التواصل من جديد..
نطرح السؤال ونحن نعلم، نعم نعلم لماذا..
 لأنّنا مع الوقت نبدأ باعتبارهم أشخاصاً مضمونين في حياتنا، علاقتنا بهم متينة ومتجذّرة بشكل لا يحتاج لأيّ مجهود للحفاظ عليها، فنوجّه استثمار وقتنا وجهدنا ومشاعرنا في علاقات أخرى نحتاجها ونخشى فقدانها، لأن في ذلك مصلحة لنا على أيّ صعيدٍ كان.
نظنّ أن من نحبّهم يروننا مبهرين بما يكفي، فنتركهم مع افتراضاتنا آمنين، ونسعى لإبهار أشخاص آخرين بإبراز أفضل نسخة ممكنة منّا، متناسين أنّ الضوء يخفت مع الابتعاد، وأنّ الحضور الباهت أقسى من الغياب. ونندهش حين نجد أنّ الحبّ الذي ظننّاه مضموناً قد تسلّل من ثقب بابٍ اخترقته رياح الوحدة التي خلّفها ضعفُ حضورنا في حياة من نحبّ..
ننسى أنّ كلماتٍ مثل: "شكراً، وعفواً ولو سمحت"، تُقال للقريب قبل الغريب، ليشعر بقيمة عطائه وأهميته، وليعلم أننا ممتنّون لهذا العطاء ولا نعدّه واجباً مفروضاً عليه، وحين نخسره نسأل أنفسنا "لماذا؟"..
نعدّ أن عبارات ":اشتقت لك"، "أحتاج أن أراك"، "حضورك يجعل العالم أجمل".. غير ضروريّة لمن يعلمون مكانتهم في قلوبنا، ونتناسى أننا كلّنا نحتاج دوماً لتذكيرنا بأهمية وجودنا في حياة من نحبّ..
نظنّ أنّ عبارات الإطراء والثناء صُنِعت للغرباء، فنسكبها بسخاء على مسامع زملاء العمل أو رؤسائنا فيه، ولا ننتبه أنّها تعزّز المحبّة بيننا وبين المقرّبين منّا وتقوّي ثقتهم بنفسهم وتقرّبنا منهم.
لا نسأل أزواجنا: كيف كان نهارك؟ بحجّة أننا نحفظ تفاصيل نهارهم! لا نسأل إخوتنا: أتحتاج شيئاً؟ بذريعة أنّهم لن يخجلوا من إخبارنا من تلقاء أنفسهم لو احتاجوا.. لا نعتذر من زوجاتنا لتأخرّنا عليهنّ بحجّة أنهن يعرفن حجم مشاغلنا، ننسى التخطيط لعيد ميلاد أمهاتنا فالأمهات دوماً يغفرن..
وهكذا، يتعاظم إهمالنا لمن نحبّ.. فيتراكم اللّومُ في قلوبنا تجاه بعضنا، ويتكوّم العتبُ المكبوت خلف صمتهم.. فتتكاثر مشاعر الخيبة ممّن توقعنا منهم الاهتمام ولم يهتمّوا، واللفتة اللطيفة ولم يلتفتوا، والكلمة الطيبة ولم يتكلّموا.. فتنهار العلاقات، ويبتعد الأحبّة ويتفرّق الإخوة..
علينا أن نهتمّ بمن نحبّهم قبل أيّ أحدٍ آخر، فنعطيهم من وقتنا وطاقتنا..
علينا أن نعتذر لهم إن أخطأنا بدل أن نراهن على غفرانهم.. أن نثني على مظهرهم الجميل ونمدحهم، أن نشكرهم على ما كلّ ما يمنحوننا بدل أن نعدّه من واجباتهم البديهيّة.
علينا أن نعي جيّداً أنه ما من علاقات مضمونة ولا أشخاص مضمونين، فلنبذل الجهد والحبّ والرعاية للحفاظ عليهم، وإلّا، فلنتقبّل خسارتنا لهم نادمين.