أنا أسافر في اللحظة التي لا يكترث لها أحد، أسافر مع الكلمة، مع الآهة حينما تلتصق باللحظات الطارئة، أسافر كثيرًا مع يدك، مع بقايا التبغ التي تركتها فوق منضدتي، أسافر في كل مرة يكون فيها الفرح فائضًا عن الحاجة، وكأن الخراب الذي قد يعقب هذا المشهد العاطفيّ لم تعد تغريه اللهفة التي أمررها من بين الشقوق وأنا أنتظرك.
أنا لا أعول على ما كان بيننا، بل أعول على كل ما أحدثناه في الصمت، في الجدال، في العمر الذي وضع يده على صدره، ثم توقف بنا دون عودة.
من أطفأ ضوء الحب: أنت أم أنا؟ من بدأ فينا بالموت أولاً؛ كي يحيا الآخر دون يدٍ تتلقفه من ضياعه؟
من المؤسف أن نتآكل شيئًا فشيئًا؛ ألا يبقى فينا سوى آثار الندوب التي خلّفها الحزن في أعماقنا، وكل أصابع العالم تشير إلينا.
من سيحسن ترميمنا، تجميلنا، من سيعيد ضبط الشتائم العالقة في صدورنا دون أن نلجأ للفظها؟
فلتخبرني يا صديقي: من سينتشلنا من أمام هذا الابتذال قبل أن يستيقظ الجرح فينا؟ من سيحمل عنا سخطنا، تعبنا، عتبنا من على كتفنا غيرنا؟
دائمًا، وما أقصده بذلك أني كنتُ أبحث بشكلٍ معقد ودائم بين رغباتك، عن فردانية تلغي كل التشابه الذي قد يحدث بينك وبين العالمين دون ملل، ولم أنجح في ذلك، ولم تنجح أنت بأن تكون أكثر من رجلٍ محاط بهذا الكم المخيف بالعاديّة، بالكلمات المستنسخة، بالأفكار المكررة، بالملاحظات التي تتوارى من خلفها كل الأحاديث المشحونة بالأنا.
لم تنجح بأن تصل لملائكيّة اللحظة التي تدور في عقلي، كوميضٍ لم يخف بريقه بعد، لم تنجح بأن تأتيني باشتباكك، بجحيمك، بحزن الطفولة الذي في عينيك، لم تنجح بأن تكونك كما يجب أمامي، فخطواتك إليَّ هزيلة، بطيئة، ومتواطئة جدًا مع القلق، فأنا لا يسعني أن أشاهد مسيرك نحوي بكل هذا الجُبن، دون أن أدير ظهري لك، ثم أبتعد..