| كم هي مؤذية هذه الوحدة الخالية من أصواتِ أصدقائنا، من مشاجراتهم، من تململهم، من ثرثرتهم، من خوفهم، من تضحياتهم، من حبهم، من مغامراتنا الجامحة معهم، كم هي موحشة هذه الحياة المارقة من غيرهم، فمهما باعدت بيننا الأقدار سنظلّ دوماً نشتاق للكثير منّا فيهم، سنشتاق للذة اللحظة المتدلية من قباب الضحك ولعفويّة الذكرى معهم.
| أين أنت يا صديقي عن كل هذه الأوجاع التي تزاحمني في الحياة؟
| أين أنت عن سوءة الأحلام، وعن كل المشاعر المحترقة بداخلي؟
| أين أنت عني وعن صداقتنا المحتضرة؟
من فينا ليسَ بحاجةٍ لصديقٍ يربت فوق كتفهِ بالكثير من الطمأنينة والأمل؟ من فينا لا يبحث عن رفيقهِ الروحيّ وقلبه ينتفض شوقاً للقائهِ؟ من فينا له القدرة على مواجهة مشاكلهِ المعاكسة لتوقعاتهِ بمفردهِ، من دون أن يطلب العون من صديقه؟ قطعاً لا أحد.
كنتُ صديقة سيئة جداً، كنتُ بعيدة بقدرِ حجم المحبة التي أحملها بقلبي لهم، فأنا كنت ومازلت أخاف من عبثية الأقدار، ومن الصداقة التي تنفذ بداخلِ الروح مباشرة بوجعٍ قد يمزق كل الذكريات دفعةً واحدة، لذلك أحمل خوفي الشائك بمفردي، وأكتفي بالدعاءِ لهم، فخير الأصدقاء هو من يحب صديقه بكل حالاته المزاجية، حتى إن كانت رغبته أن يعانق العزلة والأمكنة المحظورة بمفرده، من دون عودة.
الصداقة لا تتطلب منّا كل هذا الالتصاق والمحاصرة، بل هي المنفذ الوحيد الذي نشعر فيهِ بأننا قد أصبحنا أكثر خفّة وسلاماً، هي الوجهة الأولى لنا عندما لا نجد وجهة تحتوي آلامنا بحب، هي اليد الحانية والبسمة الباقية، والقلب الرؤوم.
إلى كل الأصدقاء الذين لا تغيرهم حدود الأمكنة ولا اختلاف الأزمنة، إلى كل الأصدقاء القابعين بمنتصفِ الذاكرة، بنبلٍ لا يُنسى.
«شكراً لأنكم لم تدفعونا نحو النهايات الحامضة، شكراً لأنكم لم تقصموا صداقتنا بالخيبة»