يحدث أن نكذب مطولاً على الورق، أن نختلق المشاهد، وحتى الشخوص؛ لنبتسم نحن.. وها أنا لأول مرّة قد أكتب ما أشعر بهِ حقاً، أو على سبيل المصارحة سأحاول ذلك، لكن سيُخيفني فيما بعد ابتزاز الورق لوجعي، وهذا الآن لا يهم، فالأيام ستمضي، ولابد أن تحرق هذه الصفحة أو تطوى حتى حين، فنحن قد نتناسى ما اقترفناه من حماقة، لكن الأقدار لا تنسى، لذلك ستجعلنا نتقاطع معها ذات يوم، على حين غرّة منّا، وسأكون على استعداد تام لملاقاتها.
من أين سأبدأ، وهذه الذاكرة المتطرفة تعبث بكلِ الأفكار التي تتهافت عليّ بسطوة؟ قد اجتاحني الملل قبلَ بضع شهقات من الآن، فأخبرني بصوتٍ مبحوح أن أكف عن التظاهر بالسعادة، وأن أبقى وأكتب كما أنا، كما أشعر بهِ، لا كما يتوقعه الآخرون مني، في الحقيقة مللت، بل مللت جداً، سأحاول قلب الطاولة حتى أعيش الكتابة كما أنا.
في أقصى مشاعري أشعر بجرحٍ يتمدد، بل يتسع ويتفشى، أفكاري تتخبط وأنفاسي تنتفض، جلدي أصبح يهرشني جداً، وهذه علامة فارقة بأنني اقتربت كثيراً هذه المرة من المنطقة المحظورة التي بداخلي، لامستها، ونزعتُ عنها سلامها، بل أيقظتها من سباتها العاطفي الخامد.
لذلك كلما اقتربنا منّا اتضحت أمامنا الحياة، فلنتعلم أولاً كيف نفهم ذواتنا، كيف نحقنها بإكسيرٍ ضد التجعد، ثم لنهتم بالآخرين، لنشعر بهم، ولنقف معهم، لكن في البداية علينا أن نتحد بوجعنا وسعادتنا مع أعماقنا.. من الصعب أن نتجرد هاربين منّا حيثُ لا يمكن، رغم الغياب الداخلي، سنعود رغماً عنّا لرحم أرواحنا خائفين، ومكسورين.. ومنعاً لهذا المأزق الكارثيّ فلنكن نحن منذ الآن، وهذا كفيل أن يدبّ السلام بنا.
قد نبحثُ عن شغبٍ يحرضنا على السير بجنونٍ أكثر، أو عن بعدٍ يعانقنا بوحدةٍ حالكة، وفي كلتا الحالتين سنشعر بأن حواسنا قد تعطلت منا، ولا يمكن الفرار من القرار المصيريّ، لذلك فقط علينا السير نحو ما نريده حقاً، لا أن نطرق الأبواب التي لا نرغبها، أو حتى أن نمضي في طريقٍ كان من اختيارِ غيرنا، وقد اقترح علينا بالنيابة عنا، فالحياة هذه بكلِ أقدارها وعبثيّتها سنعيشها نحن، ولن يعيش عمرنا أحدٌ غيرنا.