mena-gmtdmp

بينَ نسيـانِ وحضور

سلمى الجابري
هذا الاشتياق مازالَ يتجمهر حولي بنزقٍ لا أجيد تسميتهُ، ما كانَ عليّ أن أتشبث برجلٍ لا يلبث أن يبقى حتى يختفي، ولا يلبث أن يختفي حتى يظهر من جديد. هذا النوع هو الأخطر من الرجال، يأتونكِ بعد غيابٍ ونيف محملين بالحُب، وبالكثير من الحنين، يُجيدونَ إغراءكِ بجذوة اهتمامهم المصطنع، وبعذابهم المُبكي في الغياب، هؤلاء الرجال مُربكينَ للعاطفة، ومراوغين جداً حد إصابتك بدوخة عاطفية من حيثُ تجهلين. هؤلاء الرجال يعودون لأرض الذكرى القاحلة بمهمة خطيرة وهي: أن يعيدوا مجدهم لقلبكِ بإثارة أكبر، وبمناورة عشقية تجهلينَ خطواتها لكنكِ تسيرينَ فوقها بتعليماتهم، فأنتِ المأخوذة من تلابيب تفاصيلك لواقعٍ هم المهيمنونَ فيه، هذا النوع يا صديقتي لن تستطيعي مقاومته بسهولة؛ لأنكِ لم تحقني أوردة مشاعركِ بمناعة اللقاء، والعودة، ومصادفات الحياة، لم تتمرني على الجهاد في سبيلِ النسيان، لذلك ستقعين كل مرة في مأزقٍ أكبر وبغباءٍ أكثر. لذلك ستبقين تجوبين أروقة العاطفة بين كر ٍوفر، بين نسيانٍ وحضور، ستبقين ترددين أغاني الوجع حتى حين، ولن يبقى لكِ متسعٌ من العمر حتى تحييهِ في حُبٍ آخر، هذا الحُب يا صديقتي سيقصم ظهر حياتك، سيجعلكِ تتشربين اللحن القديم كل مرة بوهنٍ أعظم، حاولي نفض غبار الذاكرة سريعاً، وإقفال سراديب قلبكِ بحصونٍ موصدة، هؤلاء الرجال لا يحقنوننا سوى بالأوهام العاطفية. كوني ذكية، وحاولي إضرام النسيان بصفعةٍ يبقى أثرها على وجه مراوغتهم للأمد. لذلك دعي عبارة شكسبير هذه نصب عينيكِ: «لا تتنهدن بعد الآن أيتها النساء، لا تتنهدن أبداً، فالرجال خادعون أبداً».