mena-gmtdmp

ظلٌ شاحب

سلمى الجابري
| في كل مرّة أحاول فيها التوحّد مع ظلي، أجدني مشدودة الأعصاب، متشنجة المشاعر، مرهقة أكثر من المفترض، تتعبني الظلال التي تسير خلفنا أو حتى من حولنا، لماذا لا تتوحّد معنا كشيء غير قابل للانقسام؟ لماذا تختفي مع عتمة الأشياء؟ ثم تستيقظ قبل الجميع، وكأنها لم تتركنا طيلة الليل نلتفّ حول ذاتنا بوحدة موجعة؟ هذا الظل الممتد تارة خلفي، وتارة أمامي، ثم يدور ويدور من حولي دون توقف، لا يجيد النهوض يا الله، ظلّي الذي يشبهني كثيراً رغم سواد ملامحه، كم أتمنى أن يصافحني، أو حتى أن يعانقني لمرة واحدة كفعل جنون. مكتظةٌ أنا بالقصص -ككتاب بائس- أبدأ دوماً بعد النهاية، أو بعد أن ينتهي المشهد الأخير بلحظات كثيرة، ثم بعدها أجيء باحتراق الشمع والضوء الوفير لألقي التحية، لأصافح الوجوه الشاحبة بابتسامة بلهاء لا تدل على أي شيء سوى الاحتضار. أيها الظلّ الشاحب المرهق الذي لا يجيد الابتسام، هل ظفرت بصمتك عن العالمين؟ أخبرني كيف ترى الحياة بالاتجاه المعاكس؟ هل هي ثائرة كما نراها نحن؟ أم هي أقل حدة من الأسفل؟ لكن قبل ذلك؛ فلتخبرني كيف لك أن تتحمل كل هذه الأقدام التي لا تكترث لك؟ الأقدام الغاضبة التي تدكّ الأرض بحنق مخيف، وكأنها تحاول أن تحذر كل الظلال التي قد تعترض طريقها بأن تختفي قبل أن تدهسها عنوة، ألا تخشاها؟ ألا تخاف منها؟ أم أنها لا تخيفك يا ظلّي؟ أيها الظلّ الذي يصالحني مع الطرقات، مع الجدران، مع النوافذ، مع الأبواب، مع المصاعد، مع زحام الأسواق، مع هذا الكل من الحياة، شكراً؛ لأنك أخذت منّا كل هذا الظلام الذي نخفيه بداخلنا، فتلوّنت به نيابة عن أحزاننا