على مشارف النهايات المبتورة سنظلُّ دوماً نترقب ونراقب ومضة هاتفنا النقال، فقط حتى نشهق الذكرى خلف كل رسالة قادمة من الغيب، وحتى نلهث الأمل خلف كل رنينٍ قد نتوقع فيه عودتهم باتصالٍ وحب.
يمزقنا كل هذا السكون العاطفي الذي اجتاح جهازنا فجأة، لتنخر الأسئلة أفكارنا عمداً، أين تلك الحمم العشقيّة المكتظة بالاتصالات، بالاهتمام وبالساعات المطوّلة من الأحاديث الدائخة؟ وأين اغتيلت بالضبط كل تلك الرسائل النصية؟ هل دُفنت أمام المشهد الأخير من بكاء الأطلال؟ أم خلفَ أزيز الأحلام الدامية؟
ستبقى هذه التبعيّة العاطفيّة تطرحنا قبل أن تجمعنا، تختصرنا باتصال، لتنهينا بقطيعة هاتفيّة، وما بين صخب المشاعر واحتضارها سنجزع ونبتسم... فجرثومة البكاء التي مازالت تحرضنا على مهاتفتهم لن تهدأ إلا بإضرام الحرائق فوق تفاصيلهم الغابرة، بنسيانٍ وطمأنينة، لن نكف على معانقة الهاتف ولا عن تقبيله إلا بمواجهةٍ اصطدامية مع كلِ صورهم، رسائلهم وأرقامهم المخزنة في أقاصي الذاكرة، لن نتوقف على الحبو نحوهم إلا عندما ننضج أمام حذف كل تلك التفاصيل المتضخمة بهم، علينا فعلها، علينا التنكيل بهم وعلينا أيضاً ركلهم نحو سلة المهملات الافتراضية، كما كان حبهم افتراضياً.
لذلك كان يتوجب علينا التفكير كيف سنتصرف إزاء البطالة العاطفية التي ستلحق بنا في نهاية المطاف! وكيف سنكمل الحياة من حيث توقفوا بنا، وأين سنمضي، وما هي المدن التي ستتبنى وجعنا برحلةٍ علاجية مضمونة! قبل التفكير كيف نرضيهم أو كيف سنفاجئهم بإخلاصنا وصبرنا عليهم.
فما عاد الهاتف يجلب لنا أصواتهم، وما عادت أحشاؤه تحمل لنا رسائلهم، لم يتبق بداخلهِ سوى فتات ذكرياتهم، لذلك سيبقى مثيراً للدهس وللحرق