ابتعد قليلاً ثم عد، وستجد أن كل ما تركته ليس كما كنت تتوقعه، أو حتى ليس كما كنت تشعر تجاهه، كل ذاك الحرص، القلق، الخوف المستمر من الأقدار، من الاختفاء، والرحيل، لن تعود تكترث له، ستشعر للمرةِ الأولى بأن لم يعد هنالك أي سبب يستحق أن يكدر صفوك، حتى وإن كان الحب.
الحب، هذا الشعور المُعضلة، الذي لم يكن ليعترف بالكفاف، لو لم نطمع نحن بالكثير.
غِب كثيراً، لتدرك أن النوافذ مهما كانت مشرّعة، فهي لا تكترث لأعينِ العابرين، لا يعنيها أن نرى جدرانها المتسخة، بقدرِ ما يعنيها أن تواجه طقس الحياة، بصمودٍ لا نحتمله نحن.
كن على سفر على متن الحقيقة، عِش في محطات الانتظار، لا تقيدك حقيبة؛ كي ترى أن قيمة الحلم تتضاعف، كلما اختزلناه بين مشاعرنا العميقة.
أنصت للأحاديث المسرّبة من خفايا القصص، أرهف السمع أكثر لأصوات المارّة، للباعة المتجولين، راقب إيماءاتهم، حزنهم المستتر من خلف ملامحهم المتعبة، ثم صافحهم بابتسامةٍ عابرة، لا تطيل النظر، وابتعد، فلا أحد يحتمل الشفقة، حتى وإن لم يمسسه الوجع قط.
جرّب كل التفاصيل القابلة للعيش، لن تندم إلا على عمرٍ لم تعشه كما يجب..