أحضان السَّكن والرحمة

أميمة عبد العزيز زاهد

 

يتم الزواج بناءً على رغبة صادقة بين طرفين، ويتم التخطيط والإعداد له بناءً على أهميته النفسية والاجتماعية والبيولوجية لهما، وهذا يشكل في حد ذاته دعامة أساسية للزواج بعد أن يكون قد حدث قبول بينهما، ويعتبر القبول مشروع حب؛ فهو البذرة الأولى التي يتم غرسها في أرض جاهزة للزرع المثمر، فالاختيار لا بد أن يكون متوافراً فيه الشروط الأساسية التي يرغب فيها كل طرف مع ضرورة التوافق الاجتماعي والثقافي والبيئي والمادي والعُمري والروحي والأخلاقي؛ حتى تتحقق السكينة والمودة والرحمة.


ولكن لماذا أصبح في هذا الزمن -يا للأسف!- أغلب من يقدم على الزواج يتردد ألف مرة بجانب ازدياد حالات الطلاق؟! هل وصلنا لزمن اللهو والعبث في المشاعر؟ زمن النزوات التي يُطلق عليها حباً؟ وكأن الزواج قد أصبح لغزاً من الألغاز المحيرة، حتى على أصحاب العلاقة أنفسهم؛ فكل طرف يرى أن من كامل حقوقه أن يرتاح وتُقدر عواطفه وأحاسيسه، ولا يملك القدرة على العطاء في أي أمر!

ولا يرى من الزواج سوى وجهه الجميل ورومانسيته الحالمة؛ فالفتاة المقبلة على الزواج تختلط في أعماقها مشاعر السعادة والخوف، الأمل واليأس؛ فهي تهيئ نفسها لحياة تغمرها السعادة، وتحلم بحياة مريحة بلا عناء ولا كفاح، وتراودها أحلام وردية، وتنطلق لترسم صوراً لفارس الأحلام الذي ينطق بعبارات رومانسية لا يقولها فطاحل الشعراء، وفي الوقت نفسه عليه أن يحقق لها طموحها المادي والعلمي والاجتماعي والعاطفي، خاصة إذا كانت تحيا في بيئة وفرت لها كل متطلباتها.

 وتعيش الدلال والترف وتعودت عدم تحمل المسؤولية، ولا تعرف من تفاصيل هذه الحياة المقبلة عليها سوى الاحتفال والمنزل الجديد؛ فوالدتها لم تناقشها وتفهمها ما قد يجول بخاطرها، ولم تشرح لها مفهوم الزواج، ولم تعلمها ما لها وما عليها من حقوق وواجبات، كما أن الشاب الذي يحيا في منزل يكون فيه مجرد زائر لا يعرف إلا الدراسة والسهر والأصدقاء، ولم يتحمل المسؤولية يوماً؛ فهو يبدل سيارته كل عام، ويسافر ويلبس ويأكل ويتنزه على حساب والده! مثل هذا الشاب لو تزوج فسيجد أن الزواج يتصادم مع رغباته، ويحد من حريته، ويستنزف وقته وجهده؛ فجهل كل طرف لواجباته وحقوقه وحدود مسؤوليته يجعله يعيش في عناد وامتناع واندفاع ولامبالاة، ويحيا في منافسة تولد الندية، وتتلاشى تدريجياً الرحمة والمودة، وتصل العلاقة إلى مرحلة الشقاق والتنافر والسقوط في هاوية الطلاق؛ فكل منهما يريد أن يفرض نوع حياته على الآخر، ويحاول أن يرضيه بمنطقه!


لم يستوعبوا أن الزواج شراكة تتطلب وعياً وإدراكاً لحجم المسؤولية ومعرفة الحقوق والواجبات؛ فالزواج احترام وثقة وتفاهم متبادل، واستيعاب للمشكلات واحتواؤها، والاحتفاظ بالخصوصيات وكتمانها، فالمشكلات لا بد من وجودها؛ فهذه هي الحياة، ولكن مع ترسيخ المعاني الحقيقية للزواج ستتلاشى بالتسامح والعطاء، والتضحية والإيثار، والتجاوز والتنازل، دون تصيد للأخطاء، ودون إثارة للزوابع، ويتطلب ذلك من الأزواج الكثير من التفاهم والبذل والعطاء وسعياً إلى استمرار العلاقة بمد الأيدي لتتصافح، والقلوب لتتعانق، والإرادة تسبقها إلى آفاق الأمان؛ ليعيشوا الحياة في أحضان السكن والمودة والرحمة والألفة.