مشاعر يجتاحها الضباب

سلمى الجابري


بعينٍ دامعة أتخبط مع الظلال، مع مرارة الأفكار، مع وحدة السهر، والأحلام المتعسرة، أشاهد في المرآة تكوين الدمعة، امتلاء العين بالماء، ثم في لحظة يبدأ السيلان الكبير، المشاعر تفيض، تسيل، تجري فوق وجنتيّ دون أن تتوقف، كنهرٍ يخشى من الجفاف، لذلك هو يركض بكل ما أوتي به من ماء.
ها أنا أتبدّل في لحظة بكاء، أستسلم لهذه المقدمة الفاخرة من التعب، أتكور حول أنايّ وأنتفض، صوتي يرتعش، الكلمات تختنق في فمي، أشعر بالوحدة كشارعٍ التف من حوله الظلام، فلا ضوء يهدهد له خوفه، ولا حتى عابرٍ يؤنس فراغه.


أنا أموت في صيرورة اللحظة، أكثر بكثير من كل ذكرى قد ترتطم بالذاكرة عنوة.


لم أكن أخشى الطيران، التحليق نحو المدى، فرد الأجنحة ثم النظر إلى الأسفل بفوقيّةٍ تتسم بالهروب، لم أكن أخشى الرحيل لو لم أحب.


لم أكن لأبحث عن منقذ، عن منفذ أسرب إليه المشاعر الفائضة، لم أكن لأستجدي السلام طالما لم أشعر بهذا الهوان.


كل الصور قد تصبح مشفرّة، حتى المشاهد قد يجتاحها الضباب، الرؤية تنعدم، حينما نحرض القلب على الغرام، ثم قبل الموت الأخير، نحترق بالغياب، نصاب بالفزع، نمارس الانتظار كعجوزٍ تنتظر عودة طفلها من الموت ولا تسأم.
كل هذا الانشقاق، من أجلٍ حبٍ أوشك على الانتهاء.