لا شيء يحدث فجأة

مريم شمص
مريم شمص
مريم شمص

لا شيء يحدث فجأة، لا شيء يُخلقُ من العدم.
لا تصدّقوا أن قلباً تعرّض لهزّة كبيرة يمكن أن يكون سالماً بلا أيّ تشقّقات خفيّة.. ما من تهشّمٍ فظيعٍ وصاعق إلّا وكان نتيجةً لانكساراتٍ صغيرةٍ في الزوايا حاول صاحبها إلصاقها وترميمها بصمتٍ ولم يفلح.
لا تصدّقوا أنّ روحاً تنهار فجأةَ من دون مقدّمات.. المقدّمات قد تكون عرجةً خفيفةً في الأحاسيس يحتال صاحبها عليها بعكّازات الصبر والتظاهر بالقوّة.. وقد تكون مرارةً في الحلق حاول أن يغطّي طعمها بمعسول الكلام.. ما من انهيارٍ الّا ويأتي بعد تحاملٍ شديدٍ على الألم، حين يكسر الصدأ حديد العكّازات، وتطوف المرارة على الوجه كزَبَد الموج الهائج.
ما من انفجارٍ مفاجئ.. هي الخيبات المتتالية، تلك المواد الشديدة الاشتعال في حنايا القلب، التي أُهيلَ عليها رماد محاولات الإطفاء المتكررة.
ما من مشاعر قضت مسمومة إلّا بعد أن تراكم فيها قيح الكتمان، ونزيف الصمت حتى الإنهاك.
ما من موتٍ معنويٍّ بلا سبب.. هي كلّ تلك المرّات التي تنكّرت «لاءاتنا» بـ «نعم» الخوف من الآخرين.. هي كلّ تلك النقاط التي حبلت بالتردّد، واستدارت عنوةً حتى صارت فواصل، هي كلّ تلك الجمل التي كان يجب أن تكون الأخيرة الحاسمة في حواراتنا، ومُطَّت ومُدَّت حتى انقطعت أنفاسُها.. هي كلّ تلك الصفحات التي اسودّت من ازدحام الأخطاء، ومسحنا سوادَها بأجفاننا خوفاً من تمزيقها.
ما من علاقة تنتهي إلى غير رجعة إلا بعد استنزاف إسفلت كل الطرقات والجسورالممكنة بين أطرافها.. قبل صدمة النهاية كانت التبريرات ومحاولات التعوّد وأكاذيب الاحتواء وخدعة احتمالات إصلاح العيوب.
لا شيء يحدث مصادفةً، ولا شيء يحدث من دون سابق إنذار..
نحن من نختار، بكامل إرادتنا أو مرغمين، بكامل وعينا أو مغيّبين، أن نتغاضى ونتناسى ونتحامل على أوجاعنا على أمل الشفاء.. نحن من نغطّي آذاننا بكفوفنا الباردة كي لا نسمع عصف الريح حين نشعر بأن الإعصار قادم، محاولين إقناع أنفسنا بأنّ أجنحتنا أقوى من الإعصار، وأنّ كفوفنا أمتن من إنذارات الريح.. نحن من نحاول اقتلاع الشوك بأصابعنا العارية حفاظاً على وردة نرى بأمّ أعيننا تعفّن بتلاتها وسقوطها.. نحن من نكذّب أعيننا، ونصدّق دمعَ البتلات المحتضرة بانتظار ربيع قد يعيد لنا عطرها.
نحن من نتمسّك بالأمل، بالحب، بالأحبّة، بالاحتمالات، بالمحاولات، بالتواطؤ مع الانكسارات، والتشققات، والتراكمات، وألم الجروح، بالصمت.. بخديعةٍ تسمّى: الوقت سيغيّر كلّ شيء.. حتى ينفجر ذاك الـ «كلّ شيء» بنا وبالوقت..
الوقت لا يغيّر شيئاً. نحن من نتمسّك أحياناً بما نحبّ ومن نحبّ لدرجة أن نرى شعرةً صغيرةً تربط دروبنا جسراً متيناً وآمناً.. فلا يمكننا إذاً حينها، اعتبار السقوط والتحطّم، أو حتى خيبتنا عند الوصول، احتمالاً غير وارد!