فكرة تصارع الفراغ

سلمى الجابري

 

في وسط كل هذا الازدحام الخانق الذي أمرّ به أجدني وحيدة، وحيدة من ترف المجاملات، من العلاقات العابرة التي قد تؤخذ بعاطفة مبالغٍ فيها، أنا هكذا متخففة من ثقلٍ لا أحتمله، ولم أكن لأحتمله من الأساس، فهذه الوحدة المقدسة هي إرثي الباقيّ، هي الحياة التي قد تولدُ بسببها فكرةٍ تصارع الفراغ.


هذا الفراغ الذي يتغذى على نفاق الآخرين، هو فراغي، هو الخواء الذي أنتفض بداخلهِ وأجف حتى الموت، وليس من حق أي أحد الدخول إليه رغمًا عني.


لم أضِع بعد، بل أوشك على الضياع، وهذا الأمر لا يحزنني إطلاقًا، بل يجعلني متوقدة، سادرة وهائمة لعيشِ اللا شيء، فأنا لم أصطنع الوجع قط، بل هو من صنعني، من أعاد تكويني، حتى بتُ أرى الوجود بأبعادٍ أعمق.


ما زلتُ أذكر لقائيّ الأول بالوحدة، ذاك اللقاء الذي كنتُ فيهِ هشة جدًا وأكثر عطبًا، يا الله ها أنا ابتسم على براءة فزعي وقلقي الذي عشتهِ في عمرٍ رحل، لكن كيف أُعيد لهذه الملامح التي هي لي براءتها؟ كيف أرتبني من جديد؟ من دون أن أكشط موضع الجرح مرةً أخرى؟


على الرغم مما عشته، وما كان سببًا في كل انكساراتي المتتابعة – لم أندم – إلا على نصٍ لم أستطع كتابته بالخيبة التي كنتُ أشعر بها، الخيبة التي تعرف من أين تؤكل الذكرى وتموت، هي الوحيدة التي أجادت الهرب من سوادِ محبرتي رغمًا عني، وهذه أعظم خيباتي يا الله.


فالوحدة التي بسببها قد يتعاطف الكثيرون معي، هي عزائي الوحيد، في زمنٍ لا يعترف بشيء.