لا بدّ أن لا نكتفي من العيش

سلمى الجابري


لا يكن كل همك أن تبحث عن المتع الصغيرة فحسب، تلك المتع التي لا تلبث أن تحفنا بالسعادة حتى ترحل عنّا مهرولة، بل احرص دومًا على أن تحظى باللحظات التي تقودك نحو الأمداء المضيئة، بالكثيرِ من الحب.


فمن الأجدر أن لا تكتفي بالنظر على ما تملكه فقط، بل كن متطلبًا في كل الأمور التي ستجلب لك البهجة؛ لأن الحياة تتطلب أن تصبح طماعًا معها، ولا ضير من القليل من القناعة. وككل اللحظات التي نخشى عليها أن تنتهي، كان لازمًا عليّ أن أكرر كل البدايات التي تلهمني، أن أخلقها من العدم حتى أنجح في نهاية المطاف، فأنا لم أتعلم بأن هنالك حدًا يجب عليّ التوقف عنده، بل تعلمت أن عليّ في كلّ عمرٍ أعيشه لا بدّ أن أتسع وأتمدد، وحتى أن أتقلص إن شاءت الأقدار، لكن لا مجال للاكتفاء، وهذه الحياة ستغدقنا حتمًا بلذيذ التفاصيل من حيث نجهل.


لم أكن لأنتظر أن تتهافت عليّ الأحلام حتى ألامس حقيقتي، بل لم أكن لأنتظر أن يتصدق عليّ العالمون باهتمامهم، وبتجمهّرِ حبهم حتى أصل للطريق السالك، وأنا الزاهدة بأنايّ، وبتفاصيلي التالفة، لذا شرعت للدقائق، للساعات، للأشهرِ وللسنين كل العمر الذي سأمضي فيهِ وأفنى بجذل.


فنحن مهما بلغنا بالحزن عتيًا، سنبقى نبحث عن اللحظات المحشوّة بالتوق، وبالمسرّات، شيءٌ بداخلنا يأبى أن يكبر، يأبى أن يتغير ليتحول لمسخٍ يذكرنا بسوآتنا، ولهذا السبب فقط لا بدّ أن لا نكتفي من العيش، أن لا نعلن استسلامنا وانزواءنا خلف اللحظات الماضية، بينما الحياة تسير بنا ومعنا وحتى من غيرنا، فخلف كل شهقة تقوض الحياة بداخلنا، علينا أن نؤثث أنفاسنا من حيث لا نقصم.