كل ما تحتاجه هو التجربة

سلمى الجابري


ممتنة للتجربة، للمصادفات، للاختلاف الذي عشته طيلة العمر الذي مضى، ممتنة للعمرِ القائم بذاته، بعذاباتهِ الصامتة. لم أكن بهذا القدر من الخفة، من العمق، من التوحدِ مع النوارس، مع التربة، مع الجذور، مع الأصوات، مع السكون، مع الزحام، مع الفراغ والشسوع مثل الآن.


فنحن تأخذنا السنون فوق عاتقها، تشرّع لنا قلبها، فلا نختار من شعورها سوى الأسى. ونتناسى بأن هنالك الكثير يستحق العيش على وجه البسيطة. لأننا وبطبيعة الحال قد اعتدنا على الالتفاف حول مناطقنا الآمنة، العاديّة جدًا، والمكررة جدًا، ففكرة سبر أغوار الحياة قد ترعبنا.


ذواتنا تختزل كل شيء واللا شيء، وما من روحٍ تفلترها.
نبتعد، نهرب، نضع المسافات، نصنع الفوارق، نضخم الندم، نتغذى على الخيبة، نتلوّن بحسبِ الشعور ثم لا ننفض أي شيء، لا نتخلص من بقايا ما كان، بل نعود وكأننا لم نتصدع. كم نحن مثقلون بالتعب، لا نلبث أن نبتعد عن منطقة راحتنا إلا وعدنا لها، ونحن نجر ألمنا. ثم وببساطة نكرر كل هذا بفعل اليأس طالما لم تتطهر أرواحنا.


شعور الخفة غير معلب، وليس له تاريخ صلاحية، وليس في متناول اللحظة، بل هو نتيجة محاولات إنقاذ ما تبقى من العمر. ثمة من يتقاطع معه من أول تجربة لاستجلابه، وثمة من يطرق كل أبواب الأفكار التي يعرفها والتي يخشاها كي يحظى به، وثمة من يمضي هو وعمره باحثًا عنه دون جدوى، وثمة من يغرق في وحل ذاكرته وذكرياته دون أن يحاول الاغتسال منهما.
تجربة كل ما تحتاجه هو التجربة، تجربة تخوضها بكل ما فيك من قلق وشغف وفراغ. تجربة تسمو بها بإنسانيتك، بما تبقى فيك من صلاحٍ وحب، تجربة تعيدك للمناطقِ التي اعتزلتها دون رغبةٍ منك. تجربة واحدة كفيلة بأن تدوزن كل ما فينا من فوضى بجزيل الحياة.