كيف تكون الكتابة علاجًا؟

سلمى الجابري


أنا الآن في أكثر الأماكنِ سلامًا، أنا الورقة المنكفئة حول أسطرها بدمعٍ وقلق، أنا الآن نافرة بل مسافرة بين حيواتِ اللغة، أنا الآن يا أنايَّ أصبحتُ قصيدة مجففة وناشفة بين معالمِ الأسطر، أنا الآن تحولتُ لنصِ ورقيّ، بكلِ نسقه واضطرابه. أحتاج أن أعلم كيف تكون الكتابة علاجًا؟ كيف تصبح القصائد والرسائل أشدُ وقعًا على أنفاسنا؟ كيف نتحول من ثرائنا العاطفيّ إلى زهدنا اللغويّ؟ كيف لنا أن نَعبر بين تلك الحيوات دون أن نقفز، أو حتى دونَ أن نركض بحوافر من نهاية؟ وأين تكمن البداية حتى نبلغ النهاية؟ أين نقف؟ وأين سنصل؟ لماذا نحبو للوراء؟ ما به المستقبل؟ لماذا ننتمي للماضي السحيق؟ وأيننا عنّا؟ ما هذه المشاعر البور؟ لماذا نبكي رغمًا عنا؟ ولماذا نحب بوحشيّة؟ ولماذا نفترق بكرمٍ وسخاء؟


ولماذا نعود ونحنُ مفلسونّ منّا؟ لماذا تتدلى الأسئلة دائمًا وهي عاريّة من أجوبتها؟ لماذا تغوينا العلامات المفخخة بتعجبٍ وانتشاء؟ لماذا نسير طالما نستطيع الركض؟ لماذا نقف طويلًا طالما نستطيع الجلوس تحت الظلال؟ لماذا نحب في العتمة طالما نستطيع أن نحب تحت الضوء؟ لماذا نخفي أرقامهم، صورهم، رسائلهم وبقايا حبهم تحت الذكريات الغابرة؟ ما هذا الحطام العاطفيّ الذي نجوب حولهُ ونحن نشعر بفجاجةِ المشاعر وغبنها؟ لماذا نستمر طالما نستطيع الانشطار منهم كقصيدة مائية؟ لماذا نبتعد طالما لن نستطيع التعايش مع حدث غيابهم بأكثر الطرق سلميّة؟


ما هذه التفاصيل التي تحدث بين تفاصيل التفاصيل؟ ما هذه الأمور التي تخلق من اللا شيء كل شيء؟ كيف نتقاطع ونعبر كل تلك الشخوص والحيوات بهذه السهولة؟ من نكون قبل الكتابة؟ وكيف نصبح بعدها؟ أين أخفينا هويتنا؟ أهيّ فوق المروج القاحلة، أم بين المشاعرِ المعلبة؟ وأين ضِعنا عن أسمائنا؟ هل نسيناها بين أفواه الدراويش، أم بين مرافئ الحكايا؟ أم ألقينا بها في اللّجة بكلِ جسارة؟