خلف ستار العزلة

سلمى الجابري


من أقصى مراحل العمر قسوة، تطلّ أنت من نافذتك لتصافح العالم من خلفِ ستارِ العزلة، تبحث عن أمكنة اللقاءات، عن دفء الأحاديث المسربة من الجدات، عن القصص القديمة التي سمعتها من عابرٍ مضى، لكن حديثه ظلّ عالقًا فيك، تستمر بالتحديق من علوّك، تشير بإصبعك نحو مفترق الطرق، ثم تصيح باكيًا وأنت تردد على مسامع الصمت:
-لم يكن هذا الطريق خاوياً، مجردًا من زحامه قط.


تعاود النظر من بعدِ شهقةٍ أطلقتها كانت عالقة في منتصفِ الغصة، لتبحث عن الظلال، عن ظل هارب من صاحبه يقتطع المسافات، يبدد وحشة الطرقات، يلوّح بيديه للواقفين خلف ستائرهم:
-تعالوا، ها أنا أدعوكم لمرافقتي نحو البعيد، فلنمشِ دون هوادة، كم لبثنا في عزلتنا! وها نحن نعود إلى الحياة يا رفاق.


تبحث مشدوهًا بعينك مجددًا عن شيءٍ يشبه الزحام، عن أصوات المارّة، عن لحظة توقف سيلان العالم بداخلك، فأنت تتخبط، تخاف، تبكي بدمعٍ حار، تدعو، تصلي، تبحث كثيرًا عن السلام في نشرات الأخبار، في الجرائد، في الحكايا التي يختلقونها كي تهدأ، لكنك تنام وأنت في غمرة التعب.


تستيقظ بفزع، تتذكر ما مرّ بك، تعيد للمشاهدِ سرياليتها، ثم تقفز من سريرك نحو النافذة التي كنت واقفًا عندها فتصرخ بكلِ ما فيك:
-أيها العالم أنت بخير، كن بخير دومًا، كان حلمي عبارة عن «كذبة أبريل» وانتهى.