غارقٌ بالعزلة

سلمى الجابري


كم نحن أكثر هشاشة من أي وقتٍ مضى، الخوف يجتاح صفوفنا، يربكنا، يزعزعنا، يثير فينا القلق، نحن نتداعى لكننا وككل المرات التي نحاول استشعار السلام فيها، نخبر الجميع بأننا على ما يرام، ما زلنا نتنفس، نغفو، نحلم، ننام، نأكل، نتخبط، نحب بالشعور المتبقي فينا، ونعاتب بكل ما فينا من تعب. نعم نحن ما زلنا نمارس الحياة كما أن الحياة ما زالت تمارس سطوتها علينا! لأننا نكبر، نكبر ضعف أعمارنا، فهذه الجائحة العمرية التي تقفز بنا نحو الهوة مخيفة، مرعبة، فكرة أن عمرك يتضاعف في اللحظة دون أن تستطيع مجاراته فكريًا، عاطفيًا. في حينِ كنت ترى بأن لديك الوقت الكافي لتحقيق أحلامك، استيقط العالم معك فجأة ليخبرك بأنك في فترة عزلة، فقط أنت والوحدة، وكتبك، لا مزيد من اللقاءات، لا مزيد من الشرود برفقةِ أغنية وطريق ممتد دون نهاية، لا مزيد من الزحام، من الزيارات، من الخروج بلا سبب، والعودة لمنزلك الوحيد بدافع النوم.
أنت الآن تشارك بيتك الوحدة، تتقاسم معه الصمت، وشغب اللحظة، بينكما الموسيقى، اللغة، القصائد، تطرف الشعور، الأمل، بل الكثير منه، تقاومان الرتابة بالأمل، تنعزلان عن العالم بالأمل، تغلقان الباب بوجه الحياة بالأمل. وحده الأمل قادر على أن يمدكما بالصبر بينما يسير العالم وهو مغمض عينه، تبصران أنتما البسيطة.
فيما مضى كنت غارقًا بالاختيارات، في أي مطعم ستأكل؟ أين ستسهر؟ من ستلتقي؟ من ستتجاهل؟ متى ستعود، وفي أي يوم ستسافر؟ لم يعد أمامك الآن سوى أن تعود بذاكرتك نحو الفرص التي أضعتها ولم تعش فيها بكل حب وبهجة. أكثر ما يؤسفنا هو أننا لا نشعر بدفء التفاصيل إلا بعدما تدير لنا ظهرها دون عودة.