أنت أفضل مما تظنه

سلمى الجابري


في البداية سيكون الأمر جديداً عليك، مؤلماً جداً، لن تتقبله، ولن تستسيغ مرارته بسهولة، ثم شيئاً فشياً ستبدأ بإدراك أمر واحد، وهو أنك كنت كغيرك بعيداً كل البعد عن منطقة أمانك، تم عزلك عنها، وإقصاؤك منها، أنت الآن متجردٌ من صوتك، من استفهاماتك، من ذاكرتك، ومنهم أيضاً. تم استدراجك يا عزيزي إلى العدم، وها قد بدأ موعد القصاص.
حريّتُنا مؤقتة، رهن الاعتقال، ككل الأشياء التي يتم إخراسها من قبل أن تصرخ، تذكَّر في كل مرّة تحاول فيها الكلام بأن لا صوتَ لك، كرر هذه العبارة «لا صوت لي» حتى تلتزم الصمت بكل طواعيّتك، فأنت في النهاية لن تخضع لهم من أولِ مرّة بالتأكيد، لأنك لا تسير كما يفعل القطيع، لذا ستحاول أن تبحث عن منفذ، عن حجة، عن تبرير، عن نقاش طويلٍ تثرثر فيه، لينتهي بالتصفيقِ لك.
لكن الأمر يا صديقي لا يتم بهذه الطريقة، أنت في حدود دائرتهم، لم تتحكم بهم أبداً، بل هم من كانوا يتحكمون برغباتك منذ البداية، أنت كالطلقة التي لم تُصب هدفها لكنها قد استنزفت محاولتها في قتلِ غيرها.
نفذ، اتبع، ابتلع الغصة تلو الأخرى إلى أن تنتهي فترة عقابك، ثم هرول نحو خلاصك دون عودة.
أنت أفضل مما تظنه، وأفضل بكثير مما يعتقده غيرك، تخلّص من شعورك بالذنب، بأنك الضحية، بأنه تم الإطاحة بك، تخلص من عاطفتك قبل أن تتم تصفيّتك غيابيّاً.
فرصة واحدة، استغلها بالهرب، لا تقع بفخاخِ شعورهم، وأبداً، أبداً لا تنسى ألمك البِكر مهما أشتدَّ بك الحنين وعصف، دع وجعك يقودك، يبعدك، يتماهى بك، يعيدك للحياة، للموت لأي وجهة لكن لا تعد كما كنت، ليس بذات الضعف.