منْ يشعر بحفيفِ الأجنحة!

سلمى الجابري


على سبيل تزجية الوقت، لا أعرف من أين يمكنني أن أبدأ، حيث إن كل البدايات قد تبدو متشابهة، متناغمة جداً في تفاصيلها، كمجمل الوجوه التي كنّا نظنها في لحظة غربة صديقة.
لم أبتعد كثيراً، ما زلت أحوم في نفس المدار، برغم أن كل الذين أحببتهم في مدارٍ آخر، لا أحد يمكنه أن يرى كيف يسيل العالم في صدري، دون أن يكتفي بمشاهدة هذا الانهيار ثم يصفق.
لا بأس في كوني أتطيّر من الحظ، من الرسائل التي لا تصل إلا متأخراً بفعلِ الصدفة، لا بأس في كل الأغنيات التي لم أكن أحبها في بادئ الأمر، ثم بشكلٍ مفاجئ بات لزاماً عليّ أن أواسيّ الذاكرة بها.
كيف يمكنني أن أفض النزاع بين البيّن، وأنا التي لا تكفّ عن إصدار الأحكام الغائمة، رغماً عن كل اللهفة المتدفقة التي أشاركها الحب!
كل الأوطان التي بداخلي مبعثرة، معقدة، متواطئة جداً مع حنانِ يدك، وكأن اللحظة الفارطة كانت معك، وأنا في الحقيقة الأكثر تصنعاً بأن لا شيء يمكنه أن يهزّ شعوري النائم، حتى لو داعبه الحب وهو في قمة سباته.
الأشد تجريداً ألا أجد معبراً يجمعني بي، أن أختصر في عيني كل العالم، أن أسمح للحكايات المزيفة أن تتسلل إليّ، أن ينهار العدم فجأة فوق صدري بعدوانيّته المسالمة على مدّ حياتي، دون أن أملك حتى الحق في المجابهة، في مقاومة كل هذا الخراب بمفردي.
من يشعر بحفيفِ الأجنحة؟ بخفةِ الشعور، بزوال كل المتع الصغيرة، أمام الحنين! أمام هذا التجسيد البائس، الممتلئ بالتخدير العاطفيّ! وكأن الفرح مجرد فائض بالنسبةِ لهذا الاندلاع العظيم.
الأيام تتراخى، تنفلت منها اللحظات، لا شيء يبقى فيها سوى العدم، كمن يبقى منزوياً بوحدته، مع هذا الكل من جحيم اليقظة، فالحزن قد أصبح طيّعاً، حتى بات صوت اليتم يتعالى بدواخلنا، كلّ ما بحثنا عن بعد درامي، يستر عورات قلوبنا.