داليدا عياش تخصّ «سيدتي» بأول حوار بعد إصابتها بانفجار بيروت: رأيت الموت بعينيّ


«الحمد لله» و«يكثر خير الله» أكثر عبارتين تلفظت بهما داليدا زوجة الفنان رامي عياش خلال سردها لمجلة «سيدتي» ما حصل معها بعد إصابتها ونجاتها من الموت جراء الانفجار الضخم الذي هزّ مرفأ العاصمة بيروت والذي خلّف وراءه مئات الضحايا وآلاف الجرحى والمفقودين وشرّد العديد من منازلهم ودماراً هائلاً في الممتلكات، في 4 أغسطس/آب الجاري.

 

 

"سيدتي" الورقية معكم في البيت العدد 2059

تقول داليدا لـ«سيدتي» في أول حوار لها بعد تعرضها للإصابة جراء الانفجار إنها رأت الموت بعينيها. وهناك أكثر من خمس وأربعين غرزة في جسدها بسبب إصابتها جراء الانفجار، إلا أن ذلك لا يساوي شيئاً أمام ما رأته بعينيها بسبب الإصابات الهائلة في المستشفى.

عن لحظة وقوع الانفجار وما الذي حصل معها والخوف الذي سيطر عليها في تلك اللحظة، وهل تفكر جدياً بالهجرة من لبنان كما قرّرت مواطنتها الممثلة نادين نسيب نجيم التي أصيبت بالانفجار أيضاً، وهل زاد خوفها على ولديها وعائلتها؟ كل هذه التفاصيل وغيرها تجيب عنها داليدا في هذا الحوار الخاص:

بداية نقول لك: «حمداً لله على سلامتك».

شكراً لك ولكل من اطمأن عني، أنا بخير والحمد لله.

أخبرينا أين كنتِ قبل حصول الانفجار؟

صباح ذلك اليوم أي في 4 أغسطس/آب، وكوني أحمل الجنسية البرازيلية، ذهبت إلى السفارة البرازيلية في بيروت لأنهي بعض الأوراق المتعلقة بحصول ولديّ على الجنسية البرازيلية. وكذلك قمت بتسجيل زواجي في السفارة.

لدى انتهائي من المعاملات، عدت إلى المنزل حيث قمت بإطعام ولديّ وجلست برفقتهما حوالي 4 ساعات قبل ذهابي بعدها إلى صالون التجميل (في منطقة الأشرفية القريبة من المرفأ الذي شهد وقوع الانفجار)، وفي العادة يبكي ابني آرام كي أصطحبه معي لدى خروجي من المنزل، ولكنه اقتنع هذه المرة بالبقاء في المنزل مع شقيقته آيانا وقال لي: «أوكي ماما»، وكأن قلبي كان يشعر بأن شيئاً ما سيحصل، وصدقني كنت لن أسامح نفسي لو حصل أي مكروه له لا قدّر الله».

ماذا حصل بعدها؟

كنت أتحدث إلى جويس الفتاة التي تهتم بأظافري في صالون التجميل. وإذ بنا نسمع أول صوت مدوٍ، فصرخت الأخيرة إنه انفجار. ولكني ظننت أنها هزة أرضية وأخذت الموضوع بمزحة.

تقدمت خطوتين ثم ابتعدت قليلاً عن النافذة وبعدها «انفجرت الدنيا»، طرت من مكاني ولم أعد أستوعب بعدها ما حصل. وأنا الآن أرتجف وأنا أسرد لك ما حدث. فوراً تذكرت ولديّ. وطلبت من الله أن يحميهما وقلت له ولداي بحمايتك سلمتك إياهما، وأنا جاهزة خذني أنا فقط واحمهما. وتضيف داليدا وصوتها يرتجف: «سلمت بقضاء الله، إن إيماني شديد لدرجة أنني قلت لله إذا كانت هذه هي اللحظة التي تريد أن تأخذني فيها، فهيّا خذني».

 

شعرت أن روحي خرجت من جسدي

 

هل فكرتِ بالموت في تلك اللحظة؟

صدقني، رأيت الموت لحظتها. وشعرت أن روحي خرجت من جسدي، لا أستطيع أن أصف ما شعرت به ولا كلمات بإمكانها وصف ما جرى. أحسست كأنني لم أعد موجودة على الأرض، وعندما فتحت عينيّ ورأيت أنني لازلت موجودة تفاجأت ولم أستوعب ما جرى. لا أذكر أين وقعتُ وكيف حصل كل ذلك في ثوانٍ. كل ما أعلمه أنه حينما نهضت ووجدت الجميع يصرخ من كل مكان، وبقيت أنا الوحيدة الهادئة بينهم، واستعدت قوامي وقلت بكل هدوء باسم الله الرحمن الرحيم. ثم نظرت إلى نفسي ووجدت الكثير من الدماء التي تسيل مني. وأضافت: «كنت حافية القدمين، نظرت إلى كل المشهد أمامي، وسألت نفسي ماذا عليّ فعله، هل أهرب أو أبقى في مكاني ثم فكرت أنه ربما الأفضل أن أبقى حيث أنا».

هل شعرتِ بخوف كبير في هذه اللحظة؟

أنا بطبعي شخص يخاف من الأماكن المغلقة. يصيبني انهيار منها، وكان سقف الصالون تتساقط منه بعض الأجزاء الصغيرة، فقلت في نفسي: «داليدا لا وقت للخوف الآن، حتى الهاتف طار من بين يدي، ولم يبق منه سوى الـ cover (الغطاء) الخاص به، طلب مني الجميع أن أسكب الماء عليّ، غير أنني لم أستوعب ما كانوا يقولونه لي.

من كان المنقذ لك بعد وقوع الانفجار؟

الشباب في الصالون لم يتركوني من وديع والمسؤول عن المحل فادي. إذ استوعبا ما حصل بسرعة وأعطياني الهاتف لأتصل برامي الذي كان خطه مقفلاً، فاتصلت بالشاب الذي يعمل لدينا فأتى وتوجهنا فوراً إلى المستشفى. وأضافت: «يكثر خير الله أن الأمور قضيت بهذه الطريقة. رأينا أشخاصاً وقعوا أمامنا. وبعدها علمنا أن هناك أشخاصاً توفوا كانوا معنا في الصالون، لا أستطيع أن أشرح لك هذا الرعب الذي عشناه وحالة الضياع، فكل الناس ملطخة بالدماء».

كانوا يريدون أن يأخذوني إلى مستشفى في الأشرفية فصرخت وطلبت منهم الذهاب إلى مستشفى قريب من ولديّ، ورفضت البقاء في الأشرفية. وقلت لا سمح الله فإن كان سيحصل شيء جديد، أريد أن أكون إلى جانبهما.

 

مشاهد مؤلمة

 

ما أصعب ما عاشته داليدا؟

لحظة دخول المستشفى ومشاهد الضحايا وصراخ الجرحى والدماء التي تسيل، علماً أنني في حياتي لم أقم بغرزة واحدة في جسدي، ولكن جروحي وخضوعي للغرز لم يكونا شيئاً أمام هول ما شاهدته لضحايا الانفجار في المستشفى. الآن هناك حوالي 35 غرزة في يديّ، ويدي اليسرى تأذت أكثر من اليمنى، لاسيما في منطقة الكوع، إضافة إلى 9 غرزات في أنفي و4 في قدمي.

كنت حافية القدمين وشكرت الله كيف أن الزجاج المتناثر لم يقطع لي قدميّ، ولغاية الآن لا أعلم كيف نجوت من ذلك.

هل كنت تتخيلين أن تتعرضي لموقف مشابه في حياتك؟

أبداً، بعد الذي جرى بتّ أقول إن ما كنا نراه بالأفلام يحصل في الحقيقة، وأجزم أن ما عشناه جراء الانفجار مثل الأفلام وأكثر، والعقل لا يستطيع استيعابه. لو كنت بقيت أمام النافذة في صالون التجميل لا أحد يعلم ما الذي كان سيحصل لي جراء قوة الانفجار.

 

وجعي ليس مهماً

لحظات الوجع، كيف تسترجعها داليدا الآن؟

وجعي ليس مهماً ولم يعني لي بقدر الرعب الذي شعرت به على زوجي وولديّ ووالدتي وإخوتي، لست الوحيدة التي عاشت هذا الشعور بل كل لبنان عاش ذلك، حتى من لم يكن موجوداً في قلب هذا الانفجار تأثر فيه. وتابعت: «ارتحت لدى رؤيتي لرامي في المستشفى وشعرت بالأمان عندما كان إلى جانبي، وهو كان يحاول أن يخفف عني من جهة، ويساعد من جهة أخرى من هم بحاجة إلى المساعدة، وطيلة الوقت كان يقول لي: «أنتِ بصحة جيدة»، ولكن أنا كنت أنظر إليه وأجد أن عينيه تقولان شيئاً مغايراً ورأيت ضياعاً وخوفاً لديه. كانت المرة الأولى التي أراه على هذه الحال، فهو حاول تهدئتي واطمأن أن لا مكروهاً أصاب أي أحد قريب منا ومن كانوا برفقتي. وجود رامي لم يكن فقط مهماً بالنسبة لي، بل راح يساعد الأطباء في المستشفى الذين يقومون بتقطيب الأولاد الجرحى ويمسك بأيديهم ليخفف عنهم».

كيف كان اللقاء مع رامي بعد الانفجار؟

(تتنهد داليدا وتقول بصوت خافت): «شو بدي قلك». كنت أرتدي سروالاً باللون البيج، وعند رؤيته لكمية الدماء التي تسيل مني وغطت ملابسي، خاف عليّ كثيراً واستفسر من الطبيب عن مصدر الدم ومما يحصل لي، الحمد لله على كل شيء.

وما الذي حصل لدى رؤيتك لولديك؟

بقينا في المستشفى حوالي 6 ساعات، ولدى عودتي إلى المنزل، اكتشفت أن آرام لم يخلد إلى النوم باكراً كما هي عادته، وكأنه شعر بأن هناك خطباً ما حصل معي، حاولت التهرب والصعود بشكل سريّ إلى غرفة النوم لأبدل ملابسي الملطخة بالدماء كي لا يراني فيها. لم أبكِ أو أتأثر في كل ما حصل، إلا أنني وفي اللحظة التي رأيت فيها ولديّ انفجرت بالبكاء.

ما يؤلمني أنني لم أكن إلى جانبهما عند حدوث الانفجار ولا أعلم بماذا شعرا لحظة وقوعه. فهما صغيران ولا يمكنهما التعبير عن نفسيهما، والحمد لله كانت برفقتهما مدبرة المنزل وعمي، منزلي كله من الزجاج ولكن نحمد الله أنه لم يسقط أو يتكسر.

هل أنتِ شخصية تخاف كثيراً؟

أنا «جبانة» ولكن استغربت من أين أتيت بكل هذه القوة في تلك اللحظة؟ وكل من هم حولي قالوا لي: «داليدا كنت قوية وهادئة» ولم أصرخ وإيماني كبير بالله، وما كتبه لي سيحصل وسلّمت الأمر ربانياً.

هل بتِ تخافين اليوم أكثر من أي وقت مضى؟

لا أكذب عليك، ففي أول ليلة نمتها بعد الانفجار في بيروت، كانت مؤلمة وبات لديّ رعب من زجاج المنزل. وفي اليوم التالي، قرّر رامي اصطحابي إلى منزل الجبل، حتى أنني لم أعد أتحمل رؤية أي من ولديّ يجلس إلى جانب نافذة الزجاج وبتّ أصرخ بشكل سريع، وأعلم أن هذا الأمر سيأخذ بعض الوقت كي أستطيع الخروج منه.

 

لم أخش التشوه

 

هل خافت داليدا أن يتشوه شكلها للحظات جراء ما حدث لك مما سببه الانفجار؟

أبداً، ولم يخطر ببالي هذا الأمر. ولازلت لغاية اليوم لا أعلم إن كان أنفي بحاجة إلى عملية تجميل أم لا لأن لحظة قيام الطبيب بإسعافي ظهر أن الجروح عميقة وأتذكر أنه قال لي: «ربما تحتاجين لاحقاً إلى عملية تجميل»، صدقني لم أكترث لذلك. ومن رأى الموت بعينيه لن يهتم لشكله. فما شهدته في المستشفى من صراخ الأطفال، ومن تم إسعافه دون وضع البنج له، وآخر ممن خسر يده أو قدمه، فأنا أعتبر أن ما حصل لي لا يساوي شيئاً مما حصل لهم. ومن المعيب أن أقول إنني موجوعة ويهمني شكلي. وتساءلت داليدا ما أهمية الشكل أمام من خسر ابنه أو أهله؟ وهناك من هُجر من بيته بعد دماره وحتى خسارة المنازل لا تساوي شيئاً أمام خسارة شخص غالٍ من أفراد العائلة.

هل شعرت بالخوف على ولديك؟

(تبكي) أكثر مما تتصور. وأنا خلال وجودي في المستشفى قلت لرامي أريد أن آخذ ولديّ وأرحل، لا أريد لهم أن يبقيا هنا. أنا على غرار أي أم أريد دائماً الأفضل لولديّ، وكل أهل يتعبون لأجل مستقبل أبنائهم، وأحمد الله أنني أنا من تأذيت من الانفجار وهما كانا في المنزل.

الله يصبّر كل أم خسرت أولادها ولا يوجد كلام يصف هول الخسارة. لا أعلم ماذا سأقول.

بعد عودتك إلى المنزل، ماذا قلت لولديك عن الضمادات التي وضعت على جروحك؟

اعتقدا أنني سقطت من على السلم الداخلي للمنزل، فأنا كنت دائماً أحذرهما منه، وقلت لهما إنني لم أنتبه وسقطت. ولذلك تريان كل هذه الإصابات لديّ، وباتا كل يوم يقولان لي: «ماما لماذا لم تنتبهي»؟ في هذا العمر لن يستوعبا ما حصل لأشرح لهما.

هل راودك أي شعور سيىء في ذلك اليوم المشؤوم منذ الصباح؟

أبداً لم أشعر بأي شيء. وعندما حصل الانفجار قلت ضمناً: «داليدا توفيت بانفجار»! ولغاية الآن لم أستوعب ما حصل. لحظة وقوع الانفجار، شعرت أن هناك عملية اغتيال لإحدى الشخصيات في المبنى الذي كنت موجودة فيه، ولم أكن أتخايل وقوع انفجار في مرفأ بيروت.

 

أهنىء نادين نجيم بالسلامة

 

 

هل اطمأننت على الفنانة نادين نسيب نجيم التي أصيبت أيضاً بالانفجار وما رأيك باتخاذها لقرار الهجرة من لبنان؟

لم أطمأن عليها بشكل مباشر، فأنا أعلم أنها متعبة قليلاً جراء إصابتها بالانفجار، ولكن لدينا صديقة مشتركة هي نتالي نصرالله أسألها عن نادين بشكل يومي، وأشكر الله أن ولديها لم يكونا برفقتها لحظة وقوع الانفجار ولا أعلم ماذا كانت ستشعر لو كانا برفقتها. الله يشفيها (تبكي)، وترجع لكل محبيها وولديها. وأتفهم قرارها بالهجرة فهي بالنهاية أم، وأدعو الله ألا يجرب أي أحد لما عشناه. وهي من الممكن أن تكون قالت ذلك بسبب غضبها، فنادين من أكبر الممثلات اللبنانيات وهي تمثل لبنان خير تمثيل ولكنها تريد الأفضل لولديها وعائلتها. وكلنا يعلم في حال بقيت الطبقة السياسية على حالها في لبنان فلن يتغير أي شيء ولا مستقبل لأولادنا. وكما ذكرت أفهمها وأفهم قرارها، وربما عندما تهدأ تغير رأيها.

وماذا عنك هل تفكرين بالهجرة من لبنان؟

طيلة حياتي لم أفكر بهذا الأمر مع العلم أنني برازيلية وولداي بات لديهما الجنسية البرازيلية، وقلت لرامي إنها إشارة ربما من الله كونني كنت متواجدة في هذا اليوم في السفارة البرازيلية. لا أخفي عليك أنني لم أفكر بالهجرة بعد الذي حصل، فأنا أريد الأفضل لولديّ ولمستقبلهما، ولا يمكنني أن أعيش بهذا التوتر الدائم.

وختمت داليدا حديثها قائلة: «الله يصبّر قلب كل أم فقدت ابنها أوعزيزاً ويساعد الناس ويرحم كل الشهداء، وجعنا كبير وكلنا كلبنانيين من الصعب أن نتخطى ما حصل معنا، وما حدث أكبر منا جميعاً والحمد لله دائماً على كل شيء».

كيف علّق رامي عياش على إصابة داليدا؟

من جهته، قال الفنان رامي عياش لـ«سيدتي» تعليقاً على ما تعرضت له جراء الانفجار: «الله خلص داليدا من الموت، وما حصل لنا لا يساوي شيئاً أمام غيرنا ممن أصيبوا بالانفجار، ولا يسعنا سوى أن نقول الحمد لله. «القصة انقضت» بـ 45 غرزة، إذ رأيت أطفالاً خسروا أعضاء من جسدهم». وتابع: «بعدما اطمأننت على صحة داليدا وبأنها بخير، رحت أساعد الجرحى في المستشفى، وداليدا فعلت ذلك أيضاً عندما هدأت، لأنه في هذا اليوم كان على الجميع أن يساعدوا بعضهم البعض». وأضاف: «بحر من الدم شاهدته أمامي والمنظر لا يمكن وصفه، حتى بالأفلام لا يمكن أن نراه».

وكان رامي علق أيضاً على ما رآه بعد وقوع الانفجار عبر حسابه على «تويتر» قائلاً: «مشاهد ما كنا حابين ولادنا يشوفوها. الله يشفي كل جريح ويرحم كل اللي فارقونا. بدنا نعيش بسلام لان تعبنا خلص».

وشكر رامي كل من سأل عن داليدا دون استثناء قائلاً: «غمرتوني بمحبتكم واهتمامكم انشالله منوفيكم. جروحها توزعت بين جبينها وانفها ايديها واجريها. ولكن الحمد لله على كل شي. مصيبة وخسارة غيرنا اكبر من شوية جروح. اطفال مقطوعة اجزائها وناس عم تسبح بدمها صار بالنا بالمساعدة أكتر من حالنا».

author
بيروت- علي حلّال
رقم العدد
2059
Photographer
ذبيان سعد
Slideshow
publication_date_other