نجاح مزيف ومؤقت‏

أميمة عبد العزيز زاهد


أسوأ إحساس يمر على الآباء عندما يشعرون بأنهم فشلوا في تربية أبنائهم، أو عندما يواجههم أبناؤهم بأنهم غير راضين ومستائين من حياتهم، مع الأسف أقول ذلك بعد أن سمعت بعض القصص المؤلمة، فقد أخبرتني إحدى الفتيات بمشاعرها الغاضبة تجاه والديها، رغم أنها معترفة بأنهما بذلا مجهوداً في توفير الملبس والمأكل والتعليم، فهي تعيش حياة مرفهة، ورغم كل ذلك فهي غير راضية تقول: تربيت على الطاعة العمياء دون تمييز ودون مراعاة لأي فروق، وأدركت عندما كبرت أنني فقدت القدرة على التقييم الصحيح أو مواجهه من يخطئ في حقي، بعدما اكتشفت بأن الإنسان يقيم بأفعاله ومواقفه، وليس بعمره حتى أصبحت في نظر الآخرين فتاة معقدة، لا تعرف كيف تتعامل مع الآخر هل تصدقي أنني حتى الآن أخشى أن أتكلم مع الآخرين، وأنظر إلى عينيّ أمي؛ لأعرف أن ما أقوله على خطأ أم صواب، إن أسلوب تربيتهم جعل مني فتاة مهزوزة مرتبكة، ليست لدي الثقة على مواجهه الحياة، وأشعر بالفراغ والوحدة، لا شيء أفكر فيه، لا أعرف ما الذي أريده من حياتي، أشعر أن أعماقي فارغة من الداخل، وتضخُم هذا الشعور بداخلي سبب لي فقدان الثقة في نفسي، وترسبت في شخصيتي عيوب خطيرة بعد أن صادر أهلي أمنياتي واحتياجاتي النفسية والمعنوية والاجتماعية.


وتقول فتاة أخرى.. أحس بأني قد تجردت من كل قواي، ولم يعد لدىّ بقايا قوة للتحمل.. لم أعلم بأن الوحدة قاتلة وموحشة ومؤلمة... لم أدرك بأن أصعب وحدة هي وحدة الإنسان عندما يكون بين من يسميهم عائلته، ووصلت لمرحلة بدأت أعاني فيها من الوحدة حتى في أفكاري... لا، هذه ليست وحدة.. هذه خواء وحلقة مجوفة وضعت نفسي فيها، أو أجبرت أن أعيش بداخلها لا فرق، فبداخلي تعيش الإهانة ويقبع الذل نتيجة قسوة أهلي الذين حرموني حتى من إنسانيتي، فهم لا ينادونني باسمي ولو حصل ذلك فينعتوني بأفظع الألفاظ، يا غبية، يا تافهة، لم أعرف معنى الاحتضان ولا الحب، ولا يوجد حولي من يتحدث معي إلا في حالة إصدار الأوامر، ولم ألمح من والدي يوماً أي نظرة حب، أو مشاعر دافئة وكأني قطعة من ممتلكات المنزل


وبدوري أقول بكل الألم الذي يعتصر قلبي بأن هناك بعضاً من الآباء مارسوا التربية والتوجيه بصورة شكلية ومصطنعة، ودون مشاعر حقيقية، ودون أن يشاركوا أبناءهم اهتماماتهم؛ لأنهم بعيدون عنهم في الزمان والمكان، وبذلك قد يضيع الأبناء بسبب قلة خبرتهم، وعدم الشعور بالدعم والسند، وعدم إحساسهم بالأمان والحنان، كما أن امتلاك الأبناء بالتسلط وقهر إرادتهم، وفرض رغباتنا وأفكارنا عليهم، دون تبصر أو مراعاة لرغباتهم وإرادتهم واستقلاليتهم‏.. ‏ سنكون قد حققنا نجاحاً مزيفاً ومؤقتاً‏ لا يلبث أن تتضح آثاره في فشل العلاقة السوية العميقة ‏.. ‏ أقول للآباء الذين تخلوا عن دورهم الأساسي منذ البداية ترى ما نفع أن تلعبوا أدواركم في وقت متأخر، فاتقوا الله في أبنائكم فإنهم زينة الحياة الدنيا