mena-gmtdmp

علينا البكاء بصمت

سلمى الجابري
(حين أهاجر موسم التعب هذا، سأعيد ترميم ما يشبه الطمأنينة)– «سيلفيا بلاث» جميعنا نتمنى أن نهاجر إلى أقاصي جغرافيا الفرح، تاركين خلفنا كل هذا الغياب الفضائحي بكلِّ جسارة، فهذا هو موسم الرحيل والسفر، موسم القطيعة والنسيان، موسم اللاعودة والمشاعر الغيبيّة، موسم المواجهة الاصطدامية بالذاكرة، سننجح في اجتياز هذه التفاصيل الغابرة رغماً عنّا وبالجملة، ليس أمامنا سوى هذا المنفذ، وعلينا عبوره بحذر، علينا أن نعيد ترتيب أنفاسنا، أن نحقن أوردتنا بالكثير من أمصالِ الأمل، أن لا نقف مطولاً أمام العدم، أن لا نهرم ونحن مازلنا نتنفس الصعداء. علينا أن ننسل من موسم الحداد ببياضٍ نجهله، علينا أن نغني للحياة وللنوارس أغنياتٍ لم نسمعها، علينا السير بين زحام الوجوه بملامحٍ ملونة، علينا أن لا نظهر عورة وجعنا للعالمين، علينا البكاء بصمت، والصراخ بصمت، والكتابة بصمت، والرحيل أيضاً بصمت، علينا أن نشرع للصمتِ عمراً مضى وعمراً سيأتي، فنحنُ سيلزمنا الكثير لنصمت، وهذا هو عزاؤنا الوحيد أمام كل هذه الحرائق التي تضرم بداخلنا. علينا أن نولد من جديد، أن نخلق ذاكرة من الفراغ، أن نرقص للماضي، علينا أن نبتسم بطفولةٍ، بمراهقة، وبشيخوخة، علينا أن نكون لا نحن، حيثُ يتوجب علينا أن نكون نحنُ، علينا التحرش بكلِ الأمورِ الهامدة؛ حتى لا نخشى مهابة الموت التي تتربص بنا في حين غرّة منّا، علينا أن نطفو فوق سطح الأشياء، علينا الحذر من الغرق ومن العوم نحو النهاية، علينا أن ننتصف في كل التفاصيل حتى نبقى ونحيا. علينا أن لا ننفك من عقالِنا، وأن لا ندع وحشة الذكريات بكلِ توقها أن تجرفنا للوراء، فنحنُ سنحافظ على زمام الأمور، وسنحبو نحو المستقبل بجذلٍ لم نتوقعه، فقط علينا تمرين مشاعرنا على العيش بمفردها