من الصعب علينا أن نعي قانون الرجولة الممتد تحت جنونِ الحب، من الصعب علينا نحن النساء أن ندرك خطر الرجال العاشقين من اللهفة الأولى وحتى النهاية.
كان من الصعب عليَّ أن أدرك مدى الوجع الذي سيجتاحني عنوة، فقط من محاولة نسيانٍ فاشلة، كان من المؤسف حقاً أن أعي بأن الحب لا يرحل برحيلهم، بل هو باقٍ بكل ذكراهم المترامية بين تفاصيلنا، لذلك كلما حقنكِ الرجل بهداياه، باهتمامه، بأحلامه، بطفولته، برسائله، بصوته، بغضبه، وحبه، كان من الصعب عليكِ تجاوزه، وكان من السهل عليه احتلالك، فنسيان دوخة الأنفاس العاشقة أصبحت مستحيلة.
ما كان عليك أن ترحل بملء الحب، وما كان عليَّ أن أبقى على قيد الذكرى بملء الحنين، فكلانا تصلبت أنظارنا أمام مفرق الحياة، فلم يكن لنا عزاء سوى المضي نحو اللاشيء، نحو العدم الذي لن نكون فيه عاشقين.
فهذا الإجهاض الروحي، الذي نقوم به نحن الباكيات المتضرعات والمخذولات باسم الهوى، لم يكن سوى فعل هوس، فبعض الرجال لم تكن مقاطعتهم لأقدارنا العاطفية إلا دعوة للتنكيل بنا مستقبلاً، لم يكن وجودهم بين دوار التفاصيل الآسنة إلا ترياقاً لمشاعرنا، ولم يكن رحيلهم عنا إلا تأكيداً لحواسنا المعطلة، بأنه من الصعب على أي رجلٍ آخر أن يتجاوزهم بخفة.
لذلك سنبقى مُعتدّين طيلة عمرنا القادم بحبٍ لا يمكننا نسيانه، بل بحب سنظل نفخر به حتى العِظم، فما كان ذلك الانشطار العشقي إلا تشبثاً بهم، وما كان غيابكَ الجانح إلا بداية لكتابتك، لترقبك، ولحبك من أقصى البداية وحتى المنتهى.
ومن أمام عراء الذكرى المنصرمة، كن على قيد اللهفة تنتظرني بجزيل التوق.
