mena-gmtdmp

أنازع الموت يا أمي

سلمى الجابري
كل شيء كما هو، تماماً كما تركتهِ يا أمي، كما توقف الزمن من خلفكِ، وكما تيبَّست الدموع بعيني، كل شيء يناديكِ، يحتاجكِ ويصرخُ باسمكِ، كل شيء بداخلي لم يعد كما كان، بتُّ أستوحش الحياة من غيرِ صوتكِ، عناقكِ، خوفكِ، انتظاركِ، وفزعكِ، لذلك أنا الآن أعانق الضياع بِوحدةٍ تخفيني.. وتخفيني عن الأعينِ الشاخصة لعمق فقدي، لا أحد يعلم مرارةَ وجعي بغيابكِ سوى «الله»، لا أحد يستشعر مدى يُتْمي الصارخ غير «الله». هنا يا أمي أنازعُ الموتَ كثيراً حتى ألقاكِ هناك. في الحياةِ الأخرى، أنا أمرض كثيراً، ولا أحد من حولي يتفقدني أو يقلق على صحتي، لا أحد كان يسهر عند مرضي سواكِ، ومن سيفعل هذا الآن! لذلك أصبحتُ أرى الحياة تضيق بي، وتعصرني ألماً. فقْدُ الأم لا يعادله فقْدُ أخ أو حبيب، أو حتى صديق، فكيف إن فقد شخص منّا والدته بصغرهِ أو أثناء ولادته! كيف سيشعر عند الكبر وهو لم ير والدته سوى بالصور، كيف سيكبر وهو لم يتغن بكلمة «أمي»!! كيف سينضج ويصبح رجلاً وهو لم يستطعم قلق والدته وخوفها أو حتى صراخها عليه، دوماً سيبقى هنالك نقص يشعره بيُتْمهِ رغم تأقلمه ورغم كِبرهِ. لا يمكننا التحدث معهن إلا بالدعاء، إلا بالمناجاة، والتصدق من أجلهن دوماً وأبداً، والترحم عليهن لأنهن سيشعرن بنا، ولا يمكن لأمومتهن أن تموت بموتهن، فلنكن بخير من أجل راحتهن، فلنهتم بأنفسنا حتى لا يقلقن، فلنكمل حياتنا بالشكل الذي يريحهن، وهن هناك بين يدي «الله». لذلك لابد أن نبرهّن، وأن نحسن لهن، وأن نكون معهن في وقتِ حاجتهن لنا، طالما نستطيع عناقهن وتقبيل راحة أيديهن، ليس أمامنا سوى أن ندعو الله بإطالة أعمارهن، والترحم على الأموات منهن، وأن يُصبر قلب كل من فقد والدته في الصغر أو في الكبر بالمغفرة