mena-gmtdmp

تباً لصمتنا الإلكتروني

سلمى الجابري
كيف لي أن أفهمكَ، وبيني وبينك كل هذهِ الشاشات، وكل هذه الوجوه التعبيرية التي مهما وضعتها لك في محادثاتنا، لن تعبّر لك عن مدى حزني، وعن مدى حاجتي لرؤية عينيك، وللغةٍ تجمعنا فقط بالنظرات، كيف لك أن تفهمني، ولم يجمعنا سوى بعض الرسائل النصية، وكل هذا البياض العدميّ الذي مهما ملأناه بأحبارِ اشتياقنا فلن يصل بنا نحو المنتهى، فقط سنبقى أسرى هذه الشاشات، كحمقى نترقب بعضنا، ولكَ أن تتصور، حتى غيرتنا الإلكترونية كيف أصبحت!! أتعي ما مدى فداحة هذه الضريبة العشقية الغريبة؟ أتعي ما معنى أن أحتاجك، ولا أجدك سوى بين الرسائل المندسة خلفَ الأجهزة الصامتة بحبنا والصارخة برسائلنا؟ أصبحتُ أشعر بأنني مهزومة وضعيفة جداً، وحبُكَ أثقل عاتقي، وقصمني من حيثُ أجهل، لا ذنب لك في ذلك، ولا ذنبَ لي معك، لكن كل الذنب على حبٍ يجتاحنا في حينِ غرّة من أحلامنا دونَ سابقِ إنذار، كل الذنب على غرامٍ يسحقنا تحت عجلة الذكريات دون هوادة، وكل الذنب يا رجُلي سيبقى مُعلقاً، بل قابلاً للحذف والإضافة بداخلِ أجهزتنا، سيبقى قابلاً للصرف وللنسيان، متى ما أردنا حرق ذاكرتهِ الداخلية، لكن أخبرني ماذا عن ذاكرتنا نحن؟ ماذا عن كل الساعات التي ملأنا بها تلك المساحات البيضاء بالقلوبِ الحمراء، وبالزهر وبكل الوجوه المبتسمة والباكية؟ ماذا عنها وماذا عن انتظارنا الطويل في الضفة المواربة؟ لكن رغماً عن غبائنا الافتراضي، إلا أننا لا نبرح عن التحديق بمستجدات آخر ظهورٍ لهم من تلك البرامج؟ أتعي كم يؤلمني عدم رؤية اسمك متاحاً في وقتِ احتياجي؟ أتعي كم عدد المرات التي حذفت فيها تلك البرامج واعدتها فقط لرؤية اسمك ينتصف شاشتي دون أي حرفٍ يصلني منك؟ تباً للتطورِ التكنولوجيّ، إن لم يكن قادراً على جلبكَ لي من غيهبِ الحدود التي تفصلنا عن بعضنا كمعجزةٍ لا يمكن لقلبي أن يتخيّلها، تباً للحظاتِ الانتظار التي لا تنتهي بكلمة «أنا هنا» و«أنا عدت»، تباً لصمتنا الإلكتروني، ولصراخنا بكلِ الوجوه التي لم تكن يوماً تمثلنا كما كنّا نشعر.